الهادي التليلي
عندما يذكر الفريد نوبل الذي عاش بين 1833 و1896 ترسخ في الذهن صورة العالم الذي اخترع الديناميت، وعندما وجد العالم قد استعمل هذا الاختراع في غير ما أريد له أحس بالذنب وأوصى بإسناد جائزة نوبل في فروع عدة اعتذارًا منه للبشرية، هذه الصورة الجميلة التي نرى فيها رومانسية مشطة في تجميل صورة هذا المهندس والمخترع والكيميائي السويدي الذي اخترع الديناميت في سنة 1867 ومن ثم أوصى بمعظم ثروته التي جناها من الاختراع إلى جائزة نوبل التي سُمِّيت باسمه.
الحقيقة التي بالعودة إلى مسار حياته تكاد تغير نظرة المتتبع له وتعري الصورة الرومانسية التي رسمها الغرب لهذا العالم الذي يعد اسمه ملكية رمزية كنموذج للسلام والعلوم، فالفريد عمانوئيل نوبل هذا الابن الرابع من عائلة فيها ثمانية أبناء والتي بدأت فقيرة تنتمي للطبقة السفلى من السلم الاقتصادي الاجتماعي في ستوكهولم السويدية لم يدرس الفيزياء والعلوم ثم توصل إلى مثل هذا الاختراع، حيث أنه عندما سافر مع عائلته عام 1842 إلى مدينة سانت بطرسبرغ حيث عمل والده في في مجال الميكانيكا والمتفجرات وبعد تحسن وضع الأسرة المادي تم إرسال ألفريد لروسيا قصد مواصلة تعليمه هذا الشاب الذي برزت عليه علامات النبوغ فأصبح يتقن عديد اللغات مثل الإنجليزية والروسية والفرنسية والألمانية زيادة على تميزه في مجالات الكيمياء وغيرها كيف لا وهو المولع بمجال المتفجرات مجال عمل والده ليتتلمذ على يد العالم الشهير حينها نيكولاي زينن وبعدها غادر إلى باريس إلى أن بلغ من العمر 18سنة ساعتها انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليتخصص في مجال الكيمياء ليتتلمذ هذه المرة على يد جون أريكسون وغيره وشهدت هذه المرحلة حصوله على أول براءة اختراع عن اختراع وهي عداد الغاز سنة 1857.
في هذه الفترة المصنع العائلي الذي أسسه والده ونهل منه الفريد حب المتفجرات تطور وصار يمول حرب القرم في 1853-1856 وبعد عودة الفريد إلى السويد استقر في مصنع والديه الذي أصبح بعد ظروف مالية ناتجة عن نهاية حرب القرم تحت إشراف شقيقه لودفيج نوبل فور عودته تفرغ الفريد لدراسة المتفجرات وصناعة والاستخدام الآمن للنيتروجليسرين الذي اكتشف عام 1847 من قبل أسكانيو سوبريرو وهو أحد زملائه تحت إشراف تيوفيل-جول بيلووز في جامعة تورينو في 1863 اخترع الفريد جهاز تفجير يعد حدثًا علميًا يدخل في الصناعات العسكرية وقتها كما استطاع أن يصمم في سنة 1865 كبسولة تفجير هي الأولى من نوعها، فالفريد نوبل كان مولعًا بالمتفجرات وهو يعي جيدًا مجال استخدامها كما يعلم علم اليقين مدى خطورتها والدليل على ذلك أنه في سنة 1864 انفجرت إحدى المكونات المعدة لإنجاز النيتروجليسرين في مصنعهم العائلي بستوكهولم والذي توفي خلاله شقيقه الأصغر إيميل مع أربعة أشخاص.
فلو كان الفريد نوبل هو الصورة التي سوقت لنا لتوقف ساعتها عن كل نشاط ولكنه واصل إنجازاته معتبرًا إياها فتحاً علمياً في مجال الصناعات العسكرية مطورًا المتفجرات وأساليب استعمالها، فالربحية العالية للمنتجات الحربية كانت غايته والنهم العلمي كان براغماتياً في الأساس إلى أن وصل سقف تطور مصانعه ذروته عندما اخترع الديناميت في 1867 الذي يعتبر أكثر أمانًا في الاستعمال من النيتروجليسرين الذي اخترعه زميله إسكانيو سبريرو ولضمان حقوقه حرص على الحصول على براءة الاختراع بكل من أمريكا وبريطانيا وراجت سوق الديناميت في مجالات التعدين وبناء شبكات النقل بل ولم يتب نوبل عن اختراعاته في هذه المجالات حيث اخترع في 1875 الجلجنيت الأكثر استقرارًا من الديناميت، وفي عام 1887 اخترع الباللستيت، وهي مادة رائدة من الكوردايت..
الفريد نوبل الذي أسس في حياته أكثر من 90 مصنعًا للأسلحة لم يكن فعلاً ذلك الرومنسي الذي صدم باستغلال اختراعه والمتمثل في الديناميت في غير ما أريد له.
الفريد نوبل الذي وافته المنية بعد أن أمضى فترة بمدينة سان ريمو الإيطالية تلت وفاة شقيقه الأقرب إلى نفسه ووالدته في آخر أيامه تفتقت قريحته الشعرية على دراما نثرية من ثلاثة أجزاء أطلق عليها «العدو» صدرت بالإنجليزية ثم ترجمت لعديد اللغات وفيها عكس تجربة الوحدة الاجتماعية التي عاشها خاصة أنه ولانشغالاته العلمية والاستثمارية لم يجد الوقت لكتابة نص حياته وبناء أسرة يخلد أبناؤها ذكره فكانت فكرة جائزة نوبل التي أوصى بأن توضع كل ثروته في تمويلها وتسمى باسمه وتختص في مجالات العلوم والسلام وغيرها.
الفريد نوبل خارج الصورة الرومانسية التي قدمت لنا من الغرب ليس هو في الحقيقة ما يراه الكثيرون إنه في الأصل مصنع للأسلحة ومخترع لعدد كبير من المتفجرات التي تسببت في موت الملايين وكانت من أسباب وصول البشرية إلى اللحظة النووية التي هي نكبة العصر والمؤذنة بزوال الأرض ومن عليها في حال أسيء استخدامها.