د. فهد بن أحمد النغيمش
كثير من الناس اليوم - إلا ما رحم ربي - يسعى للظهور والبروز في مجتمعه، بل يبذلون الأموال والأوقات لأجل الشهرة، بل ربما وقع أحدهم فيما يخالف شرع الله من أجل أن تتناقل وسائل الإعلام صورته، أو ينتشر له خبر يرفع من ذكره ورسمه بين الناس. وتلكم غريزة بشرية، جبلت عليها الخلائق، قل من يسلم منها، بل هي من جميل المباحات إذا كانت فيما يُرضي الله سبحانه، لكن لا يجب أن تكون شغل أحدنا الشاغل فيبحث يمنة ويسرة أن يكون مشهوراً في الأرض على حساب دينه وخُلقه، فتجده يسعى بكل سبيل إلى تحقيق ذلك ولو على حساب التنازل عن شيء من دينه أو أخلاقه أو مبادئه، المهم عنده أن يذكره الناس في منتدياتهم، وأن يبادروا لمعرفته والإشارة إليه بالبنان، همه الأوحد كم جمع من المتابعين والمتابعات والمشاهدات واللايكات!
لكن هناك شهرة هي أعظم وأجل من شهرة الدنيا حين يكون ذكرك في الملأ الأعلى في السماء، ومن رب الأرض والسماء سبحانه!
هذا هو الشرف الذي قصرت عنه الأقدام! وضعفت عن تحقيقه الهمم!
هذا هو الشأن أن تذكر في السماء! ولو خفيت على أهل الأرض! ولو حقرك الناس، ولو دفعت من الأبواب، ولو لم تتصدر المجالس حتى لو جهلك الناس ولم يذكر بين الخلائق اسمك!
قيل لعمر - رضي الله عنه - في معركة من المعارك: قتل فلان وفلان، وأناس لا نعرفهم، فبكى، وقال: «ولكن الله يعرفهم!».
لا تهتم إن حقرك الناس إن أنت علوت في ميزان الله - جل وعلا -! قال عليه الصلاة والسلام: «رُبّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه!».
لا يهمك أن تلقى الله وأنت لم تكن في يوم من الأيام مشهوراً ولا وزيراً ولا مستشاراً، لا يضيرك أن تلقى الله وأنت لا تحمل أوسمة، ولم تنل ألقاباً إذا رضي الله عنك!
(جليبيب) صحابي جليلٌ لا يعرفه الكثير منا؛ بل لم يكن معروفاً بين صحابة رسول الله لأنه كان فقير الحال، دميم الخِلقة، لم يقبل أن يزوِّجه أحد من الناس، لكنه كان غنيًّا بالإيمان. افتقده النبي - صلى الله عليه وسلم - في إحدى المعارك لمحبته له، ونسِيه الصحابة ولم يدروا أنه معهم، فوجدوه قد قَتل سبعة من المشركين فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ»!
هل كان مشهوراً بين الناس؟ هل كان ممن تُفسح له المجالس، ويُدعى إلى الولائم؟!
في الدنيا لا.. ولكنه في السماء قد عانق الجنان برحمة الله سبحانه!
ذلكم هو العز الذي لا يبلى، والشهرة الحق أن يذكر أقوام، رجال ونساء، في الملأ الأعلى، وتتردد أسماؤهم في السماء. نعم خلدت أسماؤهم، ليس على مدرسة، ولا على شارع، ولا على بلدة، بل نُقشت في ذاكرة التاريخ، ولن تُمحَى إلى يوم القيامة.
هذا سعد بن معاذ - رضي الله عنه - لما مات اهتز عرش الرحمن لموته!
قال العلماء: «فرحاً بقدوم روحه» يهتز له العرش!
هذا هو الشأن، وهذه هي القضية الكبرى في حياتنا، التي ينبغي أن يُسعى لها، وهي أن نذكر في السماء. أما أولئك الذين طلبوا رضا الناس، وبحثوا عن مدح الناس، على حساب دينهم، فأذلهم الله وأخزاهم: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ}. قام المغمورون وقعد المشهورون.
كم من مشهور في الأرض مجهول في السماء! وكم من مجهول في الأرض معروف في السماء! فأخلِص ما بينك وبين الله، وليكن لك نصيب من الخلوات مع الله حتى تكون ممن يذكرهم الله في السماء. ألا يستطيع أحدنا أن يذكر الله - عز وجل - فيكون من المذكورين في السماء {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}.