اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والحرب التي شنتها إسرائيل مؤخراً في الأرض المحتلة وقطاع غزة والذراع الطويلة التي تهاجم بها في الداخل والخارج، كل ذلك يقف شاهداً على رفضها لحل الدولتين، وتجاهلها لأي اتفاق سابق ومبادرة سلام سابقة، انتظاراً لليوم الموعود الذي تصل فيه إلى نهاية الخط الذي رسمته لها الحركة الصهيونية ووافق عليه الاستعمار، وهو اليوم الذي يتحقق فيه حلمها التوسعي، وتتوج حروبها واستعمارها الاستيطاني باستعمار سياسي واقتصادي وثقافي، تجد نفسها فيه سيدة الموقف في المنطقة العربية وما جاورها، كما يدعو إليه مشروع الشرق الأوسط الكبير.
والنظام الصفوي الفارسي بعد احتلاله للعراق في أعقاب الغزو الأمريكي لهذا البلد سنحت له الفرصة وانفسح أمامه المجال لتنفيذ مشروعه الثوري في ظل المشروع الاستعماري عن طريق زرع العملاء والوكلاء الذين امتطاهم لتصدير ثورته ونشر مذهبه وامتداد نفوذه، بعد أن تسبب الغزو والاحتلال في انهيار الهوية الوطنية العراقية والقومية العربية التي كان العراق بفضلها - قبل الغزو والاحتلال - يمثل خط الدفاع عن الأمة العربية ضد العدو الفارسي الذي يتربص بها من الشرق.
ومثلما دخل نظام الملالي الرافضي الباطني العراق تحت مظلة المحتل الأمريكي دخل سوريا تحت مظلة المحتل الروسي والهدف من التدخل في الحالتين هو العداء التاريخي الموروث ضد الأمة العربية وتحديداً المكون السني من جهة، والعداء الجغرافي المتمثل في التجاور وخاصة التجاور البحري من جهة ثانية، والنفوذ والمطامع الجيوسياسية من جهة ثالثة، واستخدام المذهبية الشيعية لتصدير الثورة من جهة رابعة، والتخفي خلف الأجنبي لشق عصا المسلمين وتدمير الإسلام من الداخل من جهة خامسة.
وقد حصل النظام الحاكم في إيران على الضوء الأخضر من قبل الإدارة الأمريكية في عهد أوباما الذي وجد في عداوة نظام الملالي للإسلام السني ومحاربة الإسلام من الباطن ما هو كفيل بنجاح مشروع الشرق الأوسط الاستعماري وخدمة الكيان الإسرائيلي، ومن هنا تضافرت جهود أعداء الإسلام لقتل وتهجير أبناء الأمة العربية الذين ينتمون إلى المذهب السني، وتعريضهم للتجويع والإذلال والنزوح في كل من العراق وسوريا واليمن وفلسطين ولبنان، وذلك على يد الغزاة المستعمرين واليهود المحتلين والفرس الحاقدين والجماعات الإرهابية المصنوعة والتنظيمات الشيعية العميلة.
وبالطبع فإن المشروع الإيراني يعد مشروعاً عدوانياً إرهابياً يغلب عليه طابع النشاز ويدعو إلى الاشمئزاز بسبب تغليفه بالدعوة إلى التشيع المسيس الذي يتخذ من الدين مطية لخدمة السياسية في سبيل الهيمنة والتوسع وامتداد النفوذ خارج الحدود الإيرانية اعتماداً على عسكرة وتسييس الأذرع والجيوب الشيعية في الدول المستهدفة والتعامل معها بصورة مباشرة دون أن تحسب حساباً للدول التي تنتمي إليها، كما هو الحال في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.
والمشروع الصفوي الفارسي الطائفي يوجد أوجه شبه بينه وبين المشروع الإسرائيلي العنصري تتمثل في العدوانية والعنصرية وفساد العقيدة الدينية والاهتمامات الكهنوتية والخرافية كما يلتقي المشروعان في بعض الأهداف الاستراتيجية والأطماع الجيوسياسية وخدمة القوى الاستعمارية.
وكما أن العراق يمثل خط الدفاع الأول في وجه العدو الفارسي المتربص فإن سوريا تمثل خط الدفاع الأول في وجه المشروع التركي والأحلام العثمانية، ونتيجة لما آلت إليه الأمور في كل من العراق وسوريا انكشف الجناحان الشرقي والغربي للوطن العربي وأصبح هذا الوطن مكشوفًا ومتاحاً للتدخلات الأجنبية والمطامع الاستعمارية.
والعوامل التاريخية الجيوبوليتيكية، وثورات ما يعرف بالربيع العربي لعبت دورها في إيجاد ما هو موجود بالنسبة للنظام التركي الذي لا يزال يعيش على أحلامه العثمانية التوسعية، حيث إن التحولات والأحداث التي تشهدها المنطقة قد فعلت مفعولها في استثارة مشاعر النظام الحاكم في تركيا وتحفيز وتحريك مطامعه نحو التطلع إلى امتداد النفوذ والهيمنة خارج حدود بلاده من أجل تحقيق مطامعه الاقتصادية وأهداف الجيوسياسية، الأمر الذي دفعه إلى تتويج أسلوبه الناعم وتدخله غير المباشر في جواره العربي بالأسلوب الخشن والتدخل العسكري المباشر.
والوجود الأجنبي في كل من سوريا والعراق فتح شهية النظام التركي لغزو هاتين الدولتين، متذرعا بتهديد أمنه من قبل الأحزاب الكردية التي يصفها بأنها إرهابية، كما أن أطماعه الاقتصادية ونزعته التوسعية جعلته يتجه إلى ليبيا، انطلاقاً من هاجسه العثماني ومشاركته في مؤامرة مشروع الشرق الأوسط الكبير لمصلحة اليهود وقوى الاستعمار، مستغلاً تخاذل وضعف العرب المعهود، وتغافل وانصراف الإدارة الأمريكية المقصود واعتراف المحتل الروسي له في سوريا بأنه موجود.
ومن المؤلم والمحزن أن الأمة العربية غلب عليها وهنها وفقدت وزنها، حتى أصبحت مضغة على الألسن، ومحلاً لتنذر الأمم الأخرى، بسبب استحكام الخلاف والاختلاف والتناحر والتنافر إلى الحد الذي جعل بعض من ينتمي إليها يكون مطية للأجنبي، يستخدمه كيفما شاء، ومتى شاء ضد اخوته وأبناء جلدته، مضحياً بوشائج القربى والهوية والوطنية والقومية لصالح أعداء الأمة من الفرس والترك والغرب والشرق.
والآن أما آن الأوان لهذه الأمة التي تجاوزها زمانها وأصبح في الدرك الأسفل مكانها أن تستيقظ من غفلتها وتنهض من كبوتها، وتلتف حلو بعضها البعض لعلها تدرك شيئاً مما فاتها وتتمكن من إعادة الروح إلى جامعتها المتهالكة متبنيَّه مشروعًا سياسيًا جامعًا تفعل بموجبه مؤسسات جامعتها المعطلة، وتحيي معاهدة دفاعها المشترك الميتة، مع الاهتمام بقضاياها وجعلها في منأى عن المتاجرة والمزايدة من قبل الأعداء، لإيصاد الباب في وجه المستعمر الغازي والجار الانتهازي، وهو أمر لن يتحقق ما لم توحد الأمة كلمتها وتجمع صفوفها وتنبذ خلافاتها ومشاحناتها جانباً في سبيل الدفاع عن دينها وكرامتها وعرضها وأرضها واستعادة هيبتها المسلوبة ومكانتها المنهوبة وسمعتها المعطوبة، وقد قال الشاعر:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب
فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
الفتم الهون حتى صار عندكم
طبعاً وبعض طباع المرء مكتسب