خالد بن عبدالكريم الجاسر
فقد وطننا واحداً من أبرز أهل العلم ممن ارتقوا بعلمهم، وأنجزوا في عملهم، وأخلصوا لقيادتهم، وأوفوا لوطنهم، منذُ أن بزغ نوره عام 1929 في بلدة الرين، مترعرعاً في كنف والده العلامة عبدالعزيز أبو حبيب الشثري، أحد أبرز علماء السعودية في القرن الماضي.
ورحم الله والدنا وشيخنا الحبيب، صديق الملوك، مُعاصراً (الملك خالد ثم الملك فهد فالملك عبدالله -رحمهم الله-، وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أطال الله عمره-). حيث دأب الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- كعادتهما، على زيارته أكثر من مرة للاطمئنان على صحته، وكان يرتاد مجلسه الأمراء والأعيان والعلماء.
وهو ابن للعلامة الشيخ عبدالعزيز الشثري، ووالد لأخيار، كان لهم القدوة والمُعلم، والأب الحاني لبطون من العلم نهلت، وعقول قد جبلت على خيره، فكان منهم طُلاب وأولاد هم من أخيار الأرض، فهو أب لأستاذنا عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي الشيخ سعد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري.
فأنى بمثلك يا (أبا حبيب) من علمائنا الأحياء ومشايخنا الفضلاء، أن يقفوا مثل ما وقفت مع ملوكنا الكرام ضد حوادث الزمان من الأخطار والمحن التي انتابت مُجتمعنا من كل حدب وصوب، فهل يجود الزمان بمثلك (أبا حبيب) وأنت العالم الجليل والعلامة المُجتهد، المُتميزة أفكاره التي يشع منها روح الاجتهاد ونبذ التقليد المساير لروح التيسير والتسهيل الذي تميز به هذا الدين، مقروناً بالأدلة والتعليل من القرآن والسنة لرفع الحرج عن المسلمين.
لقد أحزنتنا بفراقك يا شيخنا، فنحن أبناء تتلمذنا على دروسك وخطبك وأحاديثك ورسائلك، سعدنا بعلمك الغزير وتُراثك الوفير، وإن لم يسعدنا الحظ بشرف لقائك والنهل من علمك الغزير مُشافهة.. ليصدُق نظم إيليا أبوماضي قولاً:
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها
فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
لقد رحل في عقده التاسع - 95 سنة - ونعته طبقات اجتماعية عدة كان بعضها وثيق الصلة به «مستشار الملوك»، أكثر الشخصيات التي بقيت في منصب وزير بُعمر المملكة، رحل الوالد الشيخ ناصر الشثري في ذمة الله، طائعاً لربه، مُتبعاً سُنة نبيه، وفياً لمليكه، نبيلاً صادقاً كريماً، مُحباً لوطنه، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. و«إنا لله وإنا إليه راجعون».