* تشهد أرض الإسراء وما حولها القدس وفلسطين أحداثاً جديدة من الانتفاضة، وما هي إلا جهاد أولى وحرب واضحة، وصراع طويل بين عقيدتين، لا يمكن أن تتعايشا معا ما دامت الصهيونة تسعى لتزييف التاريخ وتغيير معالم الأرض وطمس الوجود البشري وتحقيق الأحلام المريضة على حساب العرب المسلمين في فلسطين. لا تتخلى العقلية الصهيونية عن ذلك لأنه أساس بنيتها وقاعدة عمودها وأركان دعوتها، فكيف لها أن تؤمن بالسلام والأمن والتعايش السلمي والعدل والاحترام المتبادل. كيف يمكن هذه كله، وهي التي قامت على اغتصاب الأرض وطرد الشعب الفلسطيني وانتهاك الحقوق الإنسانية. إن اليهود منذ أن دخلت جحافلهم القمة الشرقية من بيت المقدس في عام1967، لم يبقوا لحظة واحدة عن العمل الدؤوب المتواصل لطمس المعالم التاريخية للمدينة، وتغيير جغرافيتها السكانية وهدم وتعطيل كل بقعة شرقية وأثر خالد للمسلمين. لا يواجه الشعب الفلسطيني اليهود وما في نفوسهم من حقد قديم وثارات تاريخية ماضية فقط، بل إنهم بكل صراحة في مواجهة اليهود الذين قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر. لقد أثبت الشعب الفلسطيني بأن الصهاينة لن يستطيعوا الاستمرار في سياساتهم دون دفع ثمنها. فالقدس مدينة لم تغب ذكرياتها عصراً من العصور، أوحقبة من الحقب، منذ القدم الغابر إلى الحديث المعاصر، اقترن اسمها من حيث أقدمية بناء مسجدها المقدس، ثم تردد ذكرها مع نبأ إبراهيم ولوط وداود وسليمان وموسى وعيسى ويحى وزكريا ومحمد جميعاً أفضل الصلوات والتسليم عليهم. مدينة القدس مدينة خالدة في التاريخ. وهذا المجد التليد لمدينة القدس يثبت حقائقها ويظهر غوامضها ويبسط مزاياها ويضم ثناياها، لكن المجد الغابر للقدس، لم يكن السبب الوحيد والمحرك الفريد، بل لو لم يكن ذلك كله موجوداً، لكانت الأحداث الحالية والوقائع التاريخية والتخوفات المستقبلية على القدس والمنطقة المجاورة. إن الشعب الفلسطيني قد ضرب مثلاً أسطورياً في صموده ونضاله وتضحياته الهائلة ضد الاحتلال الذي عرفته الإنسانية، لقد أثبت هذا الشعب بصموده الأسطوري حقيقة باهرة بأن القوة ليست بما يمتلكه المرء من أسلحة وعتاد، وإنما بقدرة الإنسان على أن يفض مضجع المغتصب ويحيل حياته إلى جحيم. الصراع المرير الذي يخوضه الفلسطينيون أكسبهم مناعة نادرة في الصمود، والأبطال الذين حفروا أسماءهم على جدار الزمن، فعشق الزمن إيمانهم وصبرهم وكفاحهم، وراح يتنقل ببصماتهم من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، يؤكد بأن لا وجود لفلسطين من دون القدس، ولا وجود محترماً للشعب الفلسطيني من دون فلسطين، ولا وجود للسلام في العالم من دون تحرير فلسطين.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية،كولكاتا - الهند
merajjnu@gmail.com