زرت غازي (مع حفظ الألقاب) بمكتبه في وزارة العمل لآخر مرة رحمه الله.. وأهداني كتابه المواسم، ومرفق ما نتج عنه، مما كتبته عام 2007م ورده عليه، لكن عسى في نشري لها أتخلص من البؤس والحزن الذي ينتابني كلما قرأت ما كتب في مواسم غازي رحمه الله.
قرأت المواسم.. وترددت مراراً أن أكتب هذا خوفاً من تذكيرك بأحداثها.. وبعد برهة أقنعت نفسي أن هذا التصرف من أكبر صور النفاق في الحياة والخداع للنفس، فهل عدم ذكرها ينسي من قرأها عامة ومن كتبها خاصة أحداثها. شعوري النابع من التردد هذا يذكرني بما ألمحت إليه بالمواسم، حين يتكلم الناس في العزاء عن كل شيء إلا عن الشخص المتوفى. هي عادات وتقاليد توارثناها من القدم ولبئس هذه العادات والتقاليد التي لا تنظر بعين الرضا لشخص يذرف الدمع على عزيز فقده. كل المعزين يتصرفون بهذا الشكل ليهربوا إلى زوايا حياتهم الآمنة. كلنا نخاف وكلنا نخادع النفس وكلنا نحاول الهرب لكن الحقيقة تبقى، هل أضفت هذه العبارات إلى معرفتك شيئاً؟ أبداً، وأشعر وكأنني كتبتها لنفسي لأهرب من تأثير مواسم غازي عليَّ.
بدأت قراءتها ولم أستطع تركها في البداية، اغرورقت عيناي عدة مرات وتركتها جانباً عدة مرات.. خفت منها وحين عدت واسترسلت بالقراءة كنت مثل ذلك الملاكم الذي يتوقع لكمة جديدة بين الحين والآخر ويدعو بألا تكون موجعة مثل من سبقها. ولا أخفيك بأنني عدة مرات قررت ألا أكمل قراءتها إلى حين بعد أن كثرت أحداثها الحزينة المؤلمة. وكم هي قاسية ما يسمى بعدالة الحياة، لكنني عدت وأكملتها.. ولم يخفف من عنائي وصدمتي معرفتي ببعض حوادثها مسبقاً، بل ازداد ألمي وحزني لمعرفتي الجيدة بكاتبها الإنسان والذي بادلني الود بمثله وأكثر منذ تعارفنا في خريف 1973 .
تقسو الحياة بين الحين والآخر، لكن أن تتصف قسوتها بهذه الاستمرارية فهو الذي يحزن. قد نتفهم ونبرر بأعذار واهية وفاة شخص طاعن في السن بالقول إنه أخذ نصيبه من الحياة (مع أنه شعور زائف فالعزيز لا يرخص)، أما أن تسرق ما يسمى بسنة الكون الشباب اليافع والصبايا الجميلات في عمر الورود وباستمرارية، فهو صعب التبرير والقبول على النفس مع كل إيماني بقدر الله سبحانه وتعالى.
كنت أعرف أنك تحمل جراحاً، لكن لم يخطر ببالي أنها بهذا الحجم الذي ذكر في المواسم.. لقد حزنت معك من خلال مواسمك وتقريباً وصلت إلى حد الشفقة عليك، لكنك في نفس الوقت كبرت في ذهني وضميري، فكاتم الأحزان المثقل بالجراح عادة لا ينتج شيئاً (ينطوي.. ينزوي.. يحاول الهرب) أما أنت فقد أنتجت خيراً وما زلت.. ومن هنا أشعر بأنني أحترمك أكثر من ذي قبل وأدعو لك بالتوفيق من أعماق قلبي، وليوفق الله يارا وينجح مشروعها المدرسي ذو فلسفة المونتسوري، وكذلك سهيل بمشروعه لزيادة لياقة أبناء الخليج فنحن في أمس الحاجة لهذه اللياقة جسماً وعقلاً.. أما فارس فرحب به في الغابة.. الحياة بكل مجالها وقيمها.
رحم الله من رحل ودعائي بطول العمر والصحة لمن بقي..
«دوم» لأخ يدعو لك بالسعادة والصحة والعافية.
** **
أخوك/ فيصل الصفوق البشير المرشد
الرياض في 12/ ربيع الأول/ 1428
31/ مارس / 2007