د. محمد عبدالله الخازم
العقلية الاستهلاكية تمتاز بالرغبة الدائمة في امتلاك الأحدث والأكبر والأشهر، بحثاً عن الأول والأفضل. ليس مهماً دراسة إيجابيات وسلبيات ما نشتريه وما إذا كان يناسب بيئتنا أو احتياجاتنا الفعلية، فهاجس الرغبة في امتلاك الجديد والحصول على الاهتمام يفوق التفكير الموضوعي أو العلمي. العقلية المستهلكة لا تصل الرضا التام، في الغالب، لأن الجديد يصبح قديماً وما هو الأفضل اليوم يأتي ما هو أفضل منه وهكذا تدخل في دوامة شراء وتملك للجديد دائمة. يسيطر عليها هواجس عدم التأخر أو التخلف عن الآخرين، رغبة الإشباع الآنية، رغبة الظهور والبروز، إدمان التسوّق والشراء، وغيرها.
أحاول وضع مقاربة؛ هل تنعكس ثقافة الاستهلاك في الإدارة؟ هل توجد عقلية الإداري الاستهلاكية؟
يبدو لي أن الإجابة، نعم. توجد قيادات أو قرارات إدارية تسيطر عليها العقلية الاستهلاكية ومن مظاهرها:
1- التغيير المتسرِّع والدائم؛ للنظام، للأجهزة، للتقنية، للمبنى، للكوادر ... إلخ. كأن القائد مستهلك يشتري طالما لديه المال أو القرار، هاجسه التغيير وسرعته وكأنه يسابق دائماً على سلعة جديدة في الأسواق.
2- التدشين الإعلامي الدائم. ما قيمة السيارة الرياضية إن لم (نفحط) بها أمام الشلة وما قيمة فستان جديد إن لم تظهر به السيدة في حفلة راقصة. إذاً علينا البحث عن حلبة التفحيط أو حفلة الرقص. نفس السلوك لدى القيادة الاستهلاكية، الظهور الإعلامي المتكرر لاستعراض مشترياتهم/ قراراتهم/ خططهم الجديدة.
3- الحصول على تصفيق الآخرين حتى لو كانوا متنفعين. هكذا بعض المسؤولين، يتجاوزون مجرد حث الآخرين على التصفيق إلى إجبارهم؛ شباب الشلة، إن لم يصفقوا لي أمام هوامير الحارة لا أحتاجهم معي، لن يركبوا السيارة الجديدة ولن يحصلوا على ساندوتش الشاورما المجان. الشلة التي لا تصفق لفستاني الجديد حقودة ولا تفهم الموضة والتطور. يوجد هذا السلوك لدى بعض القيادات الاستهلاكية، إن لم تعزف بالمديح فأنت لا تصلح للعمل معنا وإن انتقدت فأنت حقود وحسود.
4- عدم قياس الأمور وفق الاحتياج بطريقة علمية ونقاشه مع الآخرين. العقلية الاستهلاكية لا تستشير أهل الخبرة أو التخصص عند الشراء، وقد لا تعرف سوى الشكل الخارجي للجهاز أو السلعة. هكذا القيادات الاستهلاكية، تتبنى قرارات دون التعمق في مضامينها ودراستها مع الخبراء بعمق..
5- غياب قياس الإنتاجية والجودة للمنتج. العقلية الاستهلاكية تشتري المبهر دون أن تعرف جودة ما لديها أو الجديد ومناسبته لاحتياجها بشكل كاف. القيادة الاستهلاكية يهمها الإبهار عبر (الإنفوقراف) والكلمات الرنانة والوعود الحالمة وحجم الملف الإعلامي ... إلخ.
6- غياب أو ضعف الإنتاجية. الفكر الاستهلاكي يشتري ولا ينتج أو يطور، يغير السيارة لمجرد عدم حداثتها، لأن مقعدها متسخ أو إطاراتها قديمة، بدلاً من تنظيفها وإصلاح عطلها. القائد ذو العقلية الاستهلاكية يشتري، يستورد، يقلِّد، لكنه لا يطور منتجاً خاصاً ببيئته ولا يصلح المنتج الذي بين يديه، سواء كان نظاماً أو تقنية أو مبنى أو غير ذلك. يدفع ملايين من أجل التغيير رغم أن ما لديه ليس سيئاً وإصلاحه أقل كلفة، إن احتاج.
الخلاصة، الخلفية الثقافية الاستهلاكية تتحكم في سلوك بعض القيادات في المنظمات!