محمد سليمان العنقري
يبدو أن من صنفوا أنفسهم بأكبر سبع ديمقراطيات بالعالم لم يجتمعوا في بريطانيا لتعزيز تعافي الاقتصاد العالمي أو عودة السلم والاستقرار للدول التي عبثوا بأمنها واستقرارها خصوصاً في عالمنا العربي بمشروع الفوضى الخلاقة المولود الأمريكي المدعوم من حلفائها الأوروبيين وكندا التي تكمل مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وأمريكا عقد مجموعة السبع التي اجتمعت لتضع خطة تواجه بها تقدم الصين الساعية لتكون أكبر قوة اقتصادية عالمية وهو الأمر الذي يقلقهم منذ سنوات فكل ما تمخض عن القمة يمكن اختزاله بكيف يواجهون التنين الصيني ورغم نقاشاتهم حول التصدي للأوبئة مستقبلاً أو بعض الملفات الاقتصادية لكن الصين هي التي كان ملفها متربعاً على طاولتهم المستديرة فأزمة كورونا التي بدأت صحيةً وتحولت لكابوس اقتصادي يبدو أنها تنتقل لمرحلة أزمة سياسية مع الصين في محاولة لشيطنتها وحشد العالم ضدها من خلال الخطط التي أعلن عنها.
فقد اقترح الرئيس الأمريكي بايدن مبادرة تبنتها مجموعة السبع وهي تحت اسم «إعادة بناء العالم بشكل أفضل» لتكون بديلاً للدول الفقيرة والناشئة عن مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تحركت منذ سنوات بلا قيود في مناطق جغرافية واسعة بالعالم وخصوصاً في إفريقيا حيث توجد عشرة آلاف شركة صينية في 49 دولة إفريقية من أصل 54 دولة هو العدد الكلي لدول القارة السمراء أحد أهم مخازن الثروات الطبيعية العالمية وللصين أيضا امتداد واسع بقارة آسيا مستفيدة من تراجع الدور الأمريكي في تمويل تلك الدول بمشاريع البنية التحتية حيث ضخت الصين عشرات المليارات من الدولارات بمشاريع كالمطارات والموانئ والطرق وغيرها وهو ما يراه الغرب وتحديداً مجموعة السبع باستعمار الديون لكن الديمقراطيات السبع لم تفصح عن الآليات التي ستمول بها الدول المحتاجة لتبتعد عن الصين التي تعددت استفادتها من مبادرتها ليس بالتمويل فقط بل بالمساهمة بتنفيذ المشاريع التي تمولها من خلال شركاتها وبمواد منتجة بالصين فيبدو أن العالم سيشهد مرحلة مواجهة بين هذه الدول والصين أكثر تنافسيةً فهناك قناعة راسخة لدى هذه الدول أن مراكزها المتقدمة بقيادة العالم مهددة مستقبلاً ولذلك كانت بعض هذه الدول أكثر حماسة من أمريكا التي تعد الصين أكبر منافس لها فقد قاد المباحثات لمواجهة المارد الصيني رئيس وزراء كندا الذي بحماسه منقطع النظير لمواجهة قوى ناشئة إنما يعبر بطريقة غير مباشرة عن جينات المستعمرين الذين يريدون أن يبقوا أنفسهم قابضين على مصير الدول والشعوب.
من جهتها ردت الصين عبر أحد دبلوماسييها على بيان مجموعة السبع حيث قال المتحدث باسم السفارة الصينية في لندن «لقد ولت الأيام التي كانت تملي فيها مجموعة صغيرة من الدول القرارات العالمية». ولم يتوقف عند ذلك بل أكد اعتقاد بلاده بأن الدول مهما اختلف حجمها أو وزنها أو أحوالها فهي متساوية ويجب معالجة الشؤون العالمية من خلال التشاور بين كل الدول دون استثناء، فالحقيقة أن جميع الشعوب والدول التي ينتمون لها شريكة في هذا العالم فالدول السبع عندما تريد تحجيم الصين إنما تبعث برسالة قاتلة لطموح كل الدول الباحثة عن مكانة وقوة أكبر في العالم وهو ما يتنافى مع القيم الإنسانية والعدالة الدولية التي صدعوا رؤوس العالم بها وهم يريدون أيضا أن يحشدوا كل الدول باتجاه الصين ومستقبلاً ضد أي دولة تنافسهم على زعامة العالم فلا يمكن استبعاد الجين الاستعماري في تأثيره على تفكيرهم وخططهم التي يغلفونها بالعبارات والآمال الفضفاضة لكسب الشعوب لتحقيق مصالحهم فبالنهاية هم الرابح الأكبر من إضعاف الصين وكل القوى الناشئة عالمياً.
من دون أدنى شك تبحث الصين عن مصالحها التي تريد من خلالها الوصول لقمة اقتصاد العالم ولكن ما يحدث من مواجهة لها لا يمكن النظر له على أنه يخص الصين بل هو عملياً موجه لكل قوى ناشئة يمكن أن تنافس السبع الكبار على سطوتهم بالعالم ويبدو أن مرحلة ما بعد كورونا بدأت ملامحها مبكراً ومن الواضح أن السباق نحو تحقيق المكاسب والاستئثار بنصيب الأسد من نمو الاقتصاد العالمي ومنع أي قوة صاعدة لمنافسة سبع دول مجموع سكانها لا يصل حتى لنصف عدد سكان الصين أو الهند وبما يعادل 10 بالمائة من سكان العالم يريدون ولو بطرق غير مباشرة السيطرة على اقتصاد العالم إلى الأبد والتحكم بمصير 90 بالمائة من سكان هذا العالم.