إبراهيم بن جلال فضلون
للإرهاب طابع ديناميكي أكسبهُ الاستمرارية، فلم يعد الإرهاب مجرد وسيلة تأثير سياسي، بل أصبح طريقاً للا-عودة، عابراً لحدود الدول دون تأشيرات سوى تأشيرة جواز سفر دموي لهدمها، والسيطرة على مُقدراتها، حتى اتخذت قوى خارجية وداخلية منها أداة رخيصة لتحقيق مآربها كالماسونيين والصهاينة والشيوعية، عاملين بل وجاهدين لتجنيد الأعضاء والتخطيط والتمويل ثم التنفيذ، الذي يعيش بداخله اقتصاد خفي، أولهُ تمويل دولي أو أفراد مُؤمنين بقيمها الدموية، وثانيهُ ذاتي يتخذ أشكالاً مُتعددة، مثل: (تهريب السلع، الاتجار بالبشر، الخطف وطلب الفدية، القرصنة، فرض الضرائب المحلية، التعدين غير المشروع، بيع الآثار، تجارة النفط، وتهريب المخدرات). كل ذلك كشفته دراسة أعدها مركز الإنذار المبكر للدراسات الإستراتيجية.
وعبر مناطق السيطرة في العالم منها؛ (وسط آسيا - أوروبا الشرقية، وغرب إفريقيا - مروراً بدول الساحل حتى ساحل المتوسط الغربي، وشرق أفريقيا - اليمن - الخليج، وشرق أفريقيا - الملاحة البحرية - أوروبا، وسوريا ولبنان - موانئ وسيطة - ليبيا وأوروبا، سوريا ولبنان - تركيا وإيران - شرق أوروبا، وغير ذلك).. يعيشون.. وخير مثال الحشد الشعبي الموالي لإيران واحتلاله سوريا والعراق. وكحزب الله، يتمتع بنفوذ سياسي واسع في بُلدان عدّة، مُستغلاً هيمنته على مؤسسات رسمية في لبنان، ويعمل بشكل مباشر في تهريب الكوكاكين والحشيش والحبوب المخدرة بالتعاون مع الجريمة المنظمة في أمريكا اللاتينية وغرب أفريقيا. وكحركة طالبان في أفغانستان، وداعش في العراق وسوريا، وبوكو حرام في الصومال، ناهيك عن 7 تنظيمات إرهابية تدين بالولاء للقاعدة وداعش تنخر استقرار مالي، التي لم تنعم منذ استقلالها عام 1960 بالاستقرار والأمن، إلا نسبياً؛ حيث عانت الأمرين من أربعة انقلابات عسكرية وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، رغم أنها من أغنى الدول الأفريقية بالذهب واليورانيوم، بل وفشلت الجهود الإقليمية والدولية في إطفاء لهيب الجماعات الإرهابية في الصحراء الكبرى، التي ارتكبت جرائم حرب وثقتها منظمات حقوق الإنسان الدولية، وتسببت في نزوح أكثر من 500 ألف مالي من شمال البلاد إلى جنوبها ودول الجوار، ولم ينفع حتى اتفاق الجزائر 2015 للسلام في مالي.
فمنذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، مرّ الإرهاب في أفريقيا بسلسلة مراحل، بداية من الاستعمار، حتى مرحلة السبعينيات -بروز التنظيمات التكفيرية-، حتى انتبه العالم لحجم وخطورة الإرهاب في القارة، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر، حتى أن العام 2020 ، رغم جائحة كورونا، فشهد في النصف الأول منه 1168 هجوماً إرهابياً، بزيادة نحو 18 % في عدد العمليات مقارنة بعام 2019 ، بل وسجل إجمالي الوفيات والهجمات الإرهابية في أفريقيا بين عامي 2007 و 2019 أكثر من 50456 ضحية، ببلدان «مركز البؤرة» التي عانت من 62 % من مجموع الهجمات، و 68 % من مجموع الوفيات في أفريقيا، وفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020 ، مما يعكس اتجاه التنظيمات الإرهابية بشكل متسارع في القارة السمراء، كمركز رئيسي لها، ويُعوّض خسائر «داعش» في سوريا والعراق، دونما علاج دولي للأسباب الحقيقية الدافعة لذلك، عدا (استخدام القوة الدولي)، التي لا أمل منها، طالما أن هناك دولاً ومنظمات تحمي وتسرق أنفاس الأبرياء من الشعوب.
لقد سجّلت نيجيريا، المرتبة الثالثة في قائمة أسوأ الدول تضررًا من الإرهاب، 13 % من إجمالي عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب على مستوى العالم في عام 2018 ، مع زيادة بنسبة 33 % في عدد الوفيات مقارنة بالعام السابق، والصومال المرتبة السادسة والكونغو الديمقراطية في المرتبة الحادية عشرة، فما بالك بالجماعات الجهادية في جنوب وجنوب شرق آسيا، التي نمت قوتهمُ بشكلٍ كبير، على مدار العقدين الماضيين، أما في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، فيشكل المتطرفون اليمينيون تهديدًا مُتناميًا. ففي عام 2017 ، نفذت تلك الجماعات العنصرية 59 هجومًا إرهابيًا، ناهيك عن الهجمات العُنصرية ومعادية للأقليات الدينية والعرقية.
وبموازاة المسارح الملتهبة عالمياً، تبزغ في إفريقيا تجارب ناجحة في مكافحة الإرهاب، انطلاقاً من أساس «قوة الدولة» واستقرارها، كالتجربة المصرية ضد الإرهاب والتنظيم الإسلامي للإخوان، والتي احتلت مصر مكانتها لجعل المتنمرين والحاقدين يحسبون لجيشها ومجتمعها منذ الانفلات الواسع 2011 ألف حساب وإلا لما نجحت دولياً وأوقفت بعمقها السياسي والإنساني تدمير غزة، ونجاحها في معركتها الإرهابية من خلال مرتكزات ثلاثة عبر (سد استغلال التنظيمات الإرهابية لحالة العوز للشباب، ثُم التوجه الفكري عبر الخطاب الديني وتنقية المناهج من الفكر المتطرف، وأخيراً الصراحة والمواجهة بفضح الدول الداعمة له).