عثمان بن حمد أباالخيل
لبيب وأبله كلمتان متضادتان في معانيهما، ولا يمكن لهاتين الخصلتين أن تتواجدا في إنسان واحد. صاحب الخصلة الأولى ذو عقل كبير وثقة بالنفس، أما صاحب الخصلة الأخرى الأبله فهو صاحب عقل صغير ولا يثق بنفسه. اللبيب يتفهم ما يدور حوله، ويتراجع حين يجد نفسه على غير صواب، أما الأبله فيركب رأسه ويعاند ولا يتراجع عن خطئه، وربما في أحيان كثيرة يؤذي نفسه ويؤذي من هم حوله حتى أقرب الأقربين.
لا تكابر، ولا تركب رأسك، ولا تظنن أن العودة عن الخطأ تقلل من قيمتك الاجتماعية بل ترفعها فهذا دليل النضج الفكري. يقول الكاتب والروائي الأمريكي إرنست همنغواي «إن الموتى والحمقى هم الذين لا يغيرون آراءهم أبدًا».
لا تركب رأسك، لا تركبي رأسك، ولا تتمسكا بآرائكما لدرجة تصل بكما إلى درجة التعصب، واستمعا إلى الآراء التي تنقذكما من الوحل الذي تعيشون فيه، هذا مع العلم أنهما يعرفان أنهما يتجهان إلى الطريق المسدود، ويركبان رأسيهما ويستمران.
الكثير من المشاكل والتباعد بين الناس سببه في أغلب الأوقات ركوب الرأس والعناد، وبعد ذلك الندم والضياع والتيه في صحراء جافة. إن من صور ركوب الرأس التمسك بالرأي الذي يفكك الكثير من الأسر.. الجدال بين الزوجين الذي يهدم كل أواصر المحبة.. الوقوف الخاطئ للسيارة مع وجود لوحة عدم الوقوف وإشارتها.. الإصرار على تناول الدواء غير المناسب للمرض غير المناسب.. الحلف بالطلاق على أصغر المشاكل الزوجية.. نقل الإشاعات مع علمه بأنها كاذبة. الصور كثيرة، وأجزم أنكم لديكم عشرات الصور الاجتماعية. الإنسان الذي يركب رأسه يشبه الإنسان الذي يركب الخيل البري في الصحراء فالسقوط هو مصيره.
مقولة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية (صاحب هذه المقولة الأستاذ الدكتور أحمد لطفي السيد، مفكر وفيلسوف مصري). سنة الحياة الاختلاف بين الناس، والإنسان يختلف مع صديقه ومع إخوته ومع زوجته ومع زميل العمل وفي كل تفاصيل الحياة وفي أي مكان لكن غير المعقول أن يصر البعض من الناس ويركب رأسه على رأيه الخاطئ من مبدأ ركوب الرأس. برأيي الشخصي هذه المقولة ليست دائمًا من يحسن تطبيقها فهناك من يخلق المشاكل حين لا يعجبه الرأي الآخر. وللأسف هناك من يحول اختلاف الرأي إلى عراك كلامي مشحون بالانفعال الذي يقود إلى الإحباط والتشنج، عن طريق النقد اللاذع أو التهجم وخلق روح العداء والقطيعة التي قد تستمر طويلاً. أقتبس: (الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء، وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء) المهاتما غاندي.
وفي الختام لا تركب رأسك حين ركوبه سيأخذك بعيدًا خلف دائرة المجتمع، وكم من كلمة قالت لصاحبها دعني. إن وزن الكلام قبل التفوه به بميزان العقل ورجاحته وهذا ما يميز الإنسان الحكيم عن الجاهل. الإنسان السوي والإنسان الذي يركب رأسه ما أكثرهم في محيطك الشخصي وفي المجتمع.