خالد بن حمد المالك
لماذا نعود إلى الأرشيف، ونستعين بآراء قالها قائد هذه البلاد الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل أربعين عامًا، حين كان -آنذاك- أميرًا لمنطقة الرياض، الإجابة لأننا نريد أن نضع كل المزايدين على القضية الفلسطينية، والمتآمرين عليها، ومن يتاجر باسمها أمام وقائع لم تتغير، وحقائق ثابتة، وأنها عداوات حية لم يمحها تقادم الزمن، وأن المملكة في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، والملوك من بعده، جميعهم بلا استثناء كانوا أصحاب مبدأ في تمسكهم بالدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، وأنهم مع الشرفاء من الفلسطينيين في خندق واحد، وأن أي إنكار لمواقف المملكة الداعمة سياسيًا وعسكريًا ومالياً هو كمن يذر الرماد في العيون لإخفاء الحقائق، لكنه لن ينجح في ذلك، ولن يقابل إلا بالازدراء.
* *
يقول الملك سلمان: (لقد امتزج الدم السعودي بالدم الفلسطيني سنة 47 - 48 من خلال فئة من الجيش السعودي، وأخرى من المجاهدين، ضمن الولاء السعودي لفلسطين، وأن الشعارات والحركات العربية والفلسطينية هي التي أضاعت الأرض الفلسطينية، إلى أن جاءت حرب عام 56 فقام الملك سعود - رحمه الله - بقطع البترول، والمستندات والوثائق عندي، ومثله فعل الملك فيصل - رحمه الله - في قطع البترول في حرب عام 67 وكلاهما سارا على نهج والدهما الملك عبدالعزيز رحمه الله، وتبعهما بعد ذلك الملك خالد وولي عهده فهد بن عبدالعزيز رحمهما الله).
* *
تفعل المملكة كل ذلك منذ نكبة عام 1948م وإلى اليوم، وخلال كل الحروب العربية - الإسرائيلية، ولم تنل هذه البلاد وقادتها وشعبها إلا التجريح والتآمر والنكران في سبيل قضية فلسطين، يقول الملك سلمان: (كان إمكان غيرنا أن يقول ما دام هذا هو الموقف من المملكة فلينصرفوا بقضيتهم، لكن لا، نحن أصحاب قضية، نحن إيماننا وعروبتنا تجعلنا مشاركين أساسيين في القضية، لسنا خارجين عنها إطلاقًا، وإذا كنا نساعد بالسلاح، والمال، والتكتيك السياسي، فهذا يعني أننا نبذل كل جهودنا في سبيل القضية، أما القرار الأخير فهو بيد الشعب الفلسطيني، ونقبل بما يقبل به، ونرفض ما يرفضه).
* *
هل من قول أبلغ من هذا الكلام وقد قاله الملك سلمان منذ أكثر من أربعين عامًا، دون أن تتغير موقف المملكة، أو يتغير موقف بعض الفلسطينيين الذين لم يقدروا مواقفها من قضيتهم، بل ولم تسلم بلادنا من بذاءات معظمهم، مع أن سلمان قال أمام قيادتهم بكل الوضوح والصراحة والشفافية: (إن المملكة ليس لها قرار محض مستقل خارج عن قرار الشعب الفلسطيني وقيادته منظمة التحرير الفلسطينية، فهذه هي سياستنا، وذلك هو مبدؤنا، وذلك ما كنا عليه، وما نحن فيه الآن، وما سنظل سائرين عليه إلى أبد الآبدين).
* *
في كلمته التاريخية المرتجلة التي ألقاها منذ أكثر من أربعة عقود كأنه يلقيها اليوم، وكأن الملك سلمان يقرأ المستقبل، ويعرف أن هؤلاء سيظلون لن يقدروا الدور السعودي الداعم والناصح لقضيتهم، مع أن كلامه -كما جاء نصًا في كلمته- (نابع من القلب، ومستند على حقائق ثابتة لا رياء فيها، ولا نفاق، ولا طلب تأييد رخيص يزول بعد أيام) فالملك مجروح من الموقف الفلسطيني، مستاء من العبث الذي يمارسه بعض الفلسطينيين، وإذا تأملنا كل كلمة في خطابه أدركنا لماذا فرط الفلسطينيون بحقوقهم، وكيف أغرتهم الخطب الرنانة للانصراف عن المطالبة بحقوقهم الثابتة إلى التوجه نحو ما يدغدغ مشاعرهم بالخطب الرنانة، وهو ما يفهم من كلمة الملك التي لا لبس فيها ولا غموض، معتمدًا على الحقائق والوثائق والأدلة الدامغة في إدانة كل المهرجين، وتجار القضية الفلسطينية، ومن كانوا وما زالوا هم أسباب الهزائم والنكبات التي مر بها العرب والفلسطينيون، لأنهم لم يحسنوا التعامل مع مبدأ وكيفية تحرير الأراضي الفلسطينية، كما كان الملك عبدالعزيز -رحمه الله- يرسم لهم طريقها الصحيح، واستراتيجيتها المناسبة وصولاً لتحقيق النصر واستعادة الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية.