فضل بن سعد البوعينين
فرضت جائحة كورونا، وللعام الثاني على التوالي، تدابير استثنائية للحج، ومنها قصر أداء النسك للمواطنين والمقيمين داخل المملكة وبعدد إجمالي لا يتجاوز 60 ألف حاج. صحة الإنسان أولوية قصوى لا يمكن التهاون بها، خاصة مع استمرار تطورات جائحة كورونا المستجد وظهور تحورات جديدة قد تتسبب بانتشارها داخليًا وتصديرها للدول التي جاء منها الحجاج حين عودتهم.
المحافظة على الأنفس من المقاصد الشرعية، وعندما يتعلق الأمر بسلامة الحجاج من الأوبئة القاتلة فمن الواجب التعامل معها بحكمة، وتأصيل شرعي، وبما يحقق الأمن والسلامة ووقف انتشار الأوبئة بين الدول الإسلامية، وغير الإسلامية التي تحتضن المسلمين. قال عليه الصلاة والسلام: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها»، وهو تشريع واضح للتعامل مع الأوبئة عمومًا، وهو ما اعتمدت عليه المملكة في اتخاذها قرار قصر الحج على حجاج الداخل وبأعداد محدودة لضمان تحقيق الحسنيين: إقامة الفريضة وحماية الأنفس من الوباء بإذن الله. وهو قرار موفق ومبارك تم تأييده من المنظمات الدولية، والدول الإسلامية، والهيئات الشرعية لما فيه من حكمة وخير للمسلمين والبشرية عمومًا.
فتجمع الحج الذي لا يقل في الغالب عن مليوني حاج وحاجة قد يتحول إلى مركز لتفشي الوباء محليًا وعالميًا، ما يستوجب التعامل مع الموقف بحذر وإحاطة تامة بالمخاطر المتوقعة، وبما يضمن سلامة وأمن الحجاج.
فالحج أمانة ومسؤولية تتحملها قيادة المملكة وتحرص على أدائها على الوجه الأكمل، وبما يرضي الله أولاً، وضمان تحقيق الحماية التامة لضيوف الرحمن والعالم أجمع. ومثلما قامت حكومة المملكة على تطوير المشاعر وتهيئتها للحجاج والمعتمرين، وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيق راحتهم وتمكينهم من أداء نسكهم بكل يسر وسهولة وأمن، فإنها لا تتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة لضمان استدامة أمن وسلامة الحجاج في الظروف الاستثنائية، ومنها جائحة كورونا. فنجاح موسم الحج، وخلوه من الأوبئة والأمراض، وحماية الأنفس البشرية، هو هدف المملكة الأسمى الذي تنفق من أجل تحقيقه عشرات المليارات كل عام تقربًا لله تعالى، وأداءً للأمانة الشرعية.
قصر حج هذا العام على حجاج الداخل، وبأعداد محدودة، هو تأكيد للرؤية الإنسانية التي جعلت من صحة الحجاج وسلامتهم، وسلامة دولهم مستقبلاً، أولوية قصوى لقيادة المملكة التي تتعامل مع موسم الحج تعاملاً شرعيًا صرفًا، وليس كما يروج له أعداء الأمة ممن يركزون على اقتصاديات الحج، وفق ميزان الربح والخسارة.
طالما تحدثت أبواق الشر العربية عن انعكاسات الحج الاقتصادية، وتجاهلها التام لما تنفقه المملكة من مليارات لضمان إنجاح مواسم الحج. فتكاليف توسعة الحرمين الشريفين منذ بدايتها حتى اليوم تجاوزت تريليون ريال؛ وهي نفقات لا يمكن مقارنتها بالعوائد الاقتصادية المحدودة على خزانة الدولة.
استغلال ملف العوائد المالية المتأتية من الحجاج؛ والادعاء بأنها هدف المملكة الرئيس، وأن ما تقوم به لا يعدو أن يكون استثمارًا لتحقيق العوائد المالية، هو ديدن الإعلام المعادي وأبواق الشر العربية، الذي فنده قرار قصر الحج على حجاج الداخل وبأعداد محدودة. فمن كانت الدنيا همه، والعوائد المالية هدفه، لن يتخذ قرارًا يحد فيه من تدفق الحجاج بأعدادهم الكبيرة، بل سيجاهد من أجل فتح الباب على مصراعيه لاستقبال الحجاج والمعتمرين دون اعتبار لسلامتهم، أو للانعكاسات الصحية. وهو الأمر الذي تتبناه الدول السياحية اليوم؛ بالرغم من مخاطر كورونا؛ في سعيها لتعويض خسائرها بعد انقطاع السياح بسبب الجائحة، وفتح أبوابها لهم؛ مع الفارق الكبير بين النسك الشرعي الذي يعد من أركان الإيمان الواجبة، ومتعة السياحة التي يمكن تأجيلها أو تجاهلها بالكلية.
أثبتت المملكة قدرتها على اتخاذ القرار الناجع الذي يجمع بين إقامة الشعيرة وحفظ سلامة الحجاج، مع اتخاذها الاحتياطات الصحية المحققة لمتطلبات الشريعة، والحج الآمن، بإذن الله.