عطية محمد عطية عقيلان
من المفاهيم الاقتصادية التي تتكرر ويضرب بها المثل في عالم الاقتصاد وباقي مناحي الحياة مقولة توماس جريشام وزير المالية في القرن السادس عشر في حكومة بريطانيا «النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق»، وكان يقصد أن الفضة أصبحت أقوى من الذهب، وأصبحت مثالاً يقال عند سيادة الشر على الخير أو الكذب على الصدق أو الأخبار السيئة على الجيدة. لذا نشهد في حياتنا تصدر أشخاص سواء على المستوى الاقتصادي أو الإعلامي أو الرياضي أو الفني، وتستغرب وجودهم وسيطرتهم على هذه الساحة أو تلك، رغم ضعفهم ورداءة أدواتهم، وفي المقابل أصحاب الكفاءات والفكر والقدرة العلمية والعملية مهمشين خارج دائرة التأثير والمشاركة الفاعلة في مجتمعاتهم.
ورغم حرص الكثير من الجهات لتكريم مبدعيها حسب المجال التي تشرف عليه، فنجد أن هناك مهرجانات فنية كالأوسكار أو البوكر العربية للكتاب أو نوبل أو السعفة الذهبية أو أفضل لاعب ...الخ، وآلاف الجوائز والتقدير للمبدعين في كافة المجالات مع كثير من الاتهام بالانحياز والمحسوبية والسياسة على هذه الجوائز، لتكون مصدراً مهدداً وطارداً للعمل الحقيقي الجيد الهادف. إلا أن هناك محاولات واعدة ومفيدة نقدية من أجل الارتقاء بمجال معين أو جانب فني يدفع إلى تسليط الضوء على الأسوأ فيها مثل جائزة التوتة الذهبية أو ما يعرف بجوائز رازي، والتي أطلقت عام 1981م لتكون موازية لجائزة الأوسكار، ولكنها تمنح للأسوأ في عدة مجالات سواء لممثلين أو كتاب أو مخرجين أو أفلام لتسليط الضوء على العملة الرديئة حتى لا تطرد العملة الجيدة من العالم الفني وتكون دافعاً للعاملين في هذا المجال لتجنب إنتاج أعمال فنية رديئة تنال مثل هذه الجائزة، علماً انها كانت محفزة لبعض الفائزين بها لتحسن مستواهم وتطوره لتقديم الأعمال والاهتمام بالإنتاج الجيد.
نتمنى أن نشهد انطلاق مثل هذا الجوائز السنوية في كافة المجالات تتولى الإشراف على جوائز تقدم لأفضل الأعمال وجوائز لأسوأها، أملاً في تحسين الأسوأ أو اندثاره أو أضعف الإيمان التقليل منه وتأثيره على الآخرين، طبعاً سنواجه مشكلة كبيرة عند اختيار الأسوأ في مجال التحليل الاقتصادي أو الرياضي أو الفتوى الطبية لأن الساحة مليئة بمن يستحقون الجائزة «الخشبية» أسوة بالجائزة الذهبية للأفضل، عل وعسى أن تكون محفزًا لزيادة عدد المبدعين والمهتمين بتنمية مهاراتهم وتخفيف فتواهم بعلم أو بدون علم حتى لا ينافس على الأسوأ، آملين أن تكون محفزًا أيضًا لاختفاء بعضهم عن الساحة التي تسمروا فيها لعشرات السنوات وهم على «طمام المرحوم»، معتقدين أنهم يسهمون في تطور ورقي ونمو المجتمع بإسهاماتهم ويغيرون من وصايتهم على الآخرين وتكون دافعًا لهم لترك أثر إيجابي أسوة بما فعله الفرد نوبل بإطلاق جائزته والتي تحمل اسمه وتعتبر من أرفع الجوائز، وقام بالتنازل عن أغلب ثروته في سبيل دفع عجلة العلم والفن في العالم تكفيراً واعتذاراً واعترافًا منه بسوء عمله في صناعة الديناميت وضرره المدمر على البشرية، ولنتذكر جميعًا أنه مهما نفخنا في الرماد ستكون بلا نتيجة أو فائدة مرجوة سوى توسيخ ملابسك وتلويث الجو، ولن تصبح نارًا مهما طالت فترة النفخ، ولا نغتر بالشائع ولنتذكر مقولة أنشتاين «ما هو صحيح ليس دائمًا بمنتشر، وما هو منتشر ليس دائمًا صحيحاً».