الهادي التليلي
منذ سنة 1974 والعالم يحتفي كل عام وفي مدينة من مدنه باليوم العالمي للبيئة كل يوم 5 يونيو. جاء ذلك بعد مؤتمر السويد من سنة 1972 هذه السنة التي تعتبر بمثابة نقطة تحول في تطوير السياسات البيئية الدولية، حيث عقد في هذا العام تحت رعاية الأمم المتحدة المؤتمر الرئيسي الأول حول القضايا البيئية في الفترة من 5 إلى 16 يونيو في مدينتها ستوكهولم وكان الهدف من المؤتمر المعروف بمؤتمر البيئة البشرية أو مؤتمر ستوكهولم صياغة رؤية أساسية مشتركة حول كيفية مواجهة تحدي الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها
هذا اليوم العالمي الذي اختير له هذا العام محور «استعادة النظام البيئي» بعد أن كان «الاحتفال بالتنوع البيولوجي» العام المنقضي اتجه في تناوله إنقاذ ما يجب إنقاذه في عالم تتهدده مخاطر ارتفاع الانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري وذوبان المساحات الجليدية وغرق مساحات من الأراضي الهشة وانمحاء عدد خرافي من المساحات الخضراء وانقراض كائنات فطرية وحيوانات نتيجة هذه التغيرات الإيكولوجية زد على ذلك تفشي أمراض وأوبئة حولت الكائن البشري إلى بيئة هشة نتيجة هذه التحولات البيئية.
اليوم العالمي للبيئة WED والذي تشرف عليه منظمة الأمم المتحدة من خلال برنامج الأمم المتحدة UNEP والذي تستضيفه باكستان هذا العام يأتي بعد مخرجات هامة وهامة جداً لقمة العشرين التي عقدت في 2020 بالسعودية وكذلك بعد قمة الأرض التي شهدت هبة عالمية نحو إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النظام البيئي العالمي لذلك ينتظر من دورته هذا العام الكثير الكثير، ولعل اختيار محور استعادة النظام البيئي يشي بالرغبة الجامحة في وضع ملف الاستثمار في القطاع البيئي الذي هو الوسيلة الأميز لاستعادة النظام البيئي والمعبر عنه بـ»الإيكوسستام ECOSYSTEM « فالاستثمار هو الآلية العملية لإعادة إحياء ما ضاع من عالمنا الجميل على قاعدة الوظيفة تخلق العضو حسب مقولة داروين فالاستثمار الأخضر هو الحل في توالد وتنشيط الحياة الخضراء.
لهذا وغيره سعت الاقتصاديات الحديثة لبناء مسار اقتصاديات ترتكز على ما صار يعرف بالاقتصاد الأخضر أي الغير مهدد للبيئة والذي يقدر حجمه بـ 8 تريليون دولار في الوقت الراهن ويمثل حجم ثقل هندستها الاستثمارية 12 تريليون بحلول 2030 مما يجعل من هذا القطاع رائداً وعلى رأس القطاعات الاقتصادية المستقبلية وتعد أمريكا الدولة الرائدة في هذا القطاع نظراً لما وجدته من جدوى في هذا الاستثمار الواعد إذ يمثل 27 بالمائة من إيرادات 500 شركة أمريكية.
هذا الاقتصاد النظيف يمثل 31 بالمائة من الدخل الخام من إيراد 1200 شركة عالمية وذلك قبل تفشي كورونا ولعل مقياس الجدوى الذي أعطى مشروعية براغماتية حيث 3 آلاف شركة تجني ما يقارب 4 تريليون دولار من السلع والخدمات الخضراء ما يمثل 6 بالمائة من الاقتصاد العالمي بمعدل تنامي 8 بالمائة سنوياً وهذا خلال الفترة المتراوحة بين 2009 و 2018 ما يعني ارتفاع الناتج إلى ما يفوق 2.6 بالمائة بالنسبة للولايات المتحدة التي يمثل نصيبها من الاقتصاد الأخضر 37 بالمائة والمستهدف أن يكون 60 بالمائة خلال المرحلة القادمة.
المملكة العربية السعودية التي تعد من أقطاب العالم في مجال الاقتصاد الأخضر تدخل هذا اليوم بمنجزات يفخر بها العالم والتاريخ حيث قدمت مبادرة خفض الانبعاثات الكربونية والطاقة الهيدروجينية البديلة خلال قمة العشرين، كما كانت مساهمتها فاعلة خلال قمة الأرض وعلى الميدان شكلت مبادرتا ولي العهد السعودي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر حدثاً ثورياً يمكن من استعادة النظام البيئي وما تصحر من أراضي ويسهم في إنشاء كساء نباتي عملاق يغير وجه الشرق الأوسط ويقلل من الاحتباس الحراري وينسج فضاء مناخ مغاير يتحلل من الجفاف ويكون أرضية لسياحة بيئية واستثمار نوعي في الإنسان من حيث صحته وجودة حياته كما تشكل منجزات السياحة البيئية مثل «نيوم» ولؤلؤتها «ذا لاين» و»البحر الأحمر» و»العلا» و»القدية» وغيرها لا يحصى ولا يعد مخرجات نوعية يشهد بها العالم والتاريخ.
السعودية الرائدة في هذا المجال والتي تعتبر من أعمدة الكون في الاستثمار الأخضر والتي وحسب دراسات معاهد ييل YALEوكولمبيا COLOMBIA هي الأولى عالمياً في مؤشرات الأداء البيئي والأولى كذلك في مؤشر عدم فقدان الغطاء الشجري في الخمس سنوات الأخيرة وكذلك في مؤشر خسارة الأرض الرطبة، كما أن جهودها رائدة في مجال «مواطن الاجناس» والذي يعني الحفاظ على البيئة الطبيعية والسعي للمحافظة على الأنواع النادرة من الحيوانات والكائنات الفطرية.
السعودية التي لم تكتف بالمحافظة على المكتسبات البيئية بل سعت إلى استعادة الحياة الطبيعية وإحداث نقلة على مستوى الواقع الإيكولوجي تراهن على أن تكون المستثمر الأول في العالم في مختلف المجالات الاقتصادية البيئية من صناعة خضراء وسياحة بيئية واقتصاد شمولي يحافظ على الطبيعة بما يضمن جودة حياة الأجيال القادمة وقد جهزت كل الأرضيات اللازمة لذلك من توفير استثمارات عملاقة عبر جهود صندوق الاستثمارات العامة وغيره من حلول الهندسة التمويلية، كما وفرت تشريعات تسمح بالاستجابة لآفاق تطوير هذا المستقبل الأخضر، كما عقدت اتفاقيات لحماية الحياة الفطرية وأطلقت إستراتيجيات للمحافظة على البيئة وإقرار عديد من القوانين للحد من الصيد الجائر مع إثراء التنوع الإحيائي في مشاريع المنتزهات والمحميات وتركيز مخابر وبنوك الحياة الفطرية وتدريب المجتمعات المحلية وبث روح الثقافة البيئية من خلال مكونات المجتمع المدني.
اليوم العالمي للبيئة فرصة لكي يقول العالم للمثابرين في المجال ومن بينهم المملكة العربية السعودية شكراً على الجهود وبك نقتدي.