سهوب بغدادي
لا تخلو الأيام من تصاعد الاستغاثات عبر الهاشتاقات ومواقع التواصل الاجتماعي، وتباشر الجهات المختصة الحالات بشكل فائق السرعة، وكان لمركز بلاغات العنف الأسري الدور الفعال خلال الفترة الماضية، ولهم وافر الشكر والتقدير، فلم يعد الصمت سمة المنازل المظلمة في ظل الثورة الرقمية التي أتت بمحاسنها وخلافه، ومن هذا السياق يعرف العنف بأن له أشكالاً عديدة والضرب والأذى الظاهري والجسدي آخر مرحلة أو ما قبل الأخيرة من القتل، فللعنف دورة، ومن أولى مراحلها تصاعد التوتر، من ثم تأتي مرحلة تفجير العنف، يليها التبرير وأخيرًا وليس آخرًا مرحلة الهدوء والمصالحة إلى أن تعود الضحية إلى مرحلة التوتر ومن ثم التفجير وهكذا دواليك! إن كل دورة مكتملة تعطي المعنف دفعة للمضي قدمًا لتطوير سبل ووسائل وأنواع العنف والقسوة! لذا يتوجب على الضحية أن تكسر سلسلة الإساءة خلال أضعف حلقة - الهدوء والمصالحة - وأن لا تشعر بالأمان المطلق في حال تكرر الأمر لأن العنف داء يتوجب التدخل والعلاج، فكم سمعنا عن زوج يقتل زوجته أو أم تقتل أطفالها وغيرها من الجرائم غير المنطقية، إلا أننا عندما نمعن النظر في سيكولوجية الإساءة نجد أن المسيء -الفاعل - يرفع في كل مرة من مستوى العنف والإساءة لكي يشعر بلذة الإيذاء وباعتبار أن الضحية تعتاد على نمط أو مستوى معين من الألم فيتحتم عليه أن يأخذ ردة الفعل الدالة على فاعلية الأساليب المؤذية. هناك مقولة قديمة فيما معناها «كثرة الضرب تقسي جلد المضروب» إذ تعتاد الضحية تلقي هذا النوع من الألم ولكنها مجبرة على البقاء الحتمي لذا تتبرمج على تقبل واحتمال الألم «coping mechanism» وآلية المواجهة أو التحمل، أيضًا تلغي آلية التحسس من الجسم والعقل desensitization. ولا ننسى أن العنف قد يكون نفسيًّا عاطفيًّا أو لفظيًّا أو جسديًّا، وعنفًا ماليًّا أي بمنع الضحية من استخدام أموالها للتلاعب بها والاستفادة القصوى منها. وقد يهدد المسيء الضحية بأن يؤذي نفسه في حال لم تستجب لطلباته وفي أحيان أخرى يعد تهديد المسيء للضحية بأن يقتل نفسه أو يرمي نفسه من جسر أو غيره في حال لم تقبل اعتذاره أحد أشكال وألوان الابتزاز العاطفي، فهو يعلم أن الضحية ستخضع لأن المسيء يدرس ضحيته ويعلم دهاليزها. كان استعراضًا مطولاً للظاهرة بهدف أن ألقي الضوء على أمر غائب عن مجتمعاتنا العربية ألا وهو «أمر الحماية» أو ما يعرف restraining order orprotection order ؛ إذ يساهم هذا الأمر في ابتعاد المسيء عن دائرة الضحية في المكان أو الزمان بموجب القانون، وذلك أمر أفضل من التعهدات الخطية وأكثر فاعلية بإذن الله الحفيظ. لذا أدعو الجهات المعنية إلى أن تنظر بعين الاعتبار لهذا الأمر وتفعيله بما يتوافق مع عصرنا الحديث، لنقضي معًا على ظاهرة العنف بالقانون والوعي الجمعي إن شاء الله.
«#كلنا_ضد_العنف».