(تأليف: الأديب الأريب
حمد بن عبد الله القاضي)
جادت قريحة الأديب الطلعة، الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي -حفظه الله- بكتاب قيِّم يرسم رحلة المؤلف في عالم الكلمة الأدبية، وهو فيض من وجدانه، وقطعة من سمرة صحرائه، وبقية باقية من بساطة بلدته، وهو صفاء خالص لم ينهك بدخان المدنية، وهذا الكتاب من بنات فكر القاضي العزيزة وهو مهدي إلى والدة كريمة، اختارتها الأقدار لتحفل بفراديس خضر، وجنات كثر -إن شاء الله- وجاء لفظ الأديب حمد القاضي لرثاء أمه بوسم الحرف التالي: (إلى أعز الناس، أمي موضي بنت صالح العليان -رحمها الله- تلك التي رحلت في طفولتي، ففقدت حنان أمومتها، فأدلجت أبحث عن هذا الحنان بين حبر الكلمات، وحب الناس، وحنايا الأوفياء، وقد لقيت -بحمد الله- كثيرًا مما افتقدته).
ثم هو حظي بتقديم جميل من صديقه الراحل معالي الوزير الأديب الشاعر الدكتور غازي القصبي -رحمه الله- وهو إرهاصة جميلة تعبق بريح العاطفة الصادقة المتبادلة بين الرمزين الثقافيين القصيبي والقاضي، فالأديب الشاعر د. غازي القصيبي يقول في مقدمته كلمة جامعة بمنزلة المفتاح لهذه التحفة الأدبية القاضية (حمد القاضي... يغمس وردة في محبرة الحب، ويكتب على شغاف القلوب، لهذا تجيء كلماته رقيقة دوماً وناعمة دوماً... وفي هذه المرافئ.
حديث عن قضايا الإنسان كلها.
عن الموت والحياة والسلم والحرب
والفوات واللقاء والمرض والعافية.
والضحك والبكاء والبداية والنهاية
كلمات رقيقة كلها... ناعمة كلها.
وردة مغموسة في محبرة الحب).
وهذا الكتاب يمثل القاضي أديباً أريباً، كاتباً صادقاً، وفيلسوفاً ملهماً مصقولاً، وهو يضم بين إهابيه ما يربو على الستين مقالة، ويجمله ما نشره في استهلالته الميمونة الطالع تحت عنوان: (النجاح وليد العمل والكفاح) وهو باكورة قريحة المؤلف، حينما كان يدرس في المرحلة الثانوية بمدينة عنيزة الخضراء، وتم نشره في صحيفة الرياض الغراء، ومن جميل نثره فيه قوله: (الحياة جهاد وعمل لا بد أن تخوض غمارها، ولكن يجب أن يكون ذلك بعزيمة صادقة، وإرادة قوية مستعينين أولاً: وقبل كل شيء بالله،... يتحتم عليك أن تحدد أهدافك وتعين اتجاهك حتى لا تقف بين سبل الحياة حائرة مضطربة، فإذا لم تعمل بما تعلمته فقد يؤدي بك نصبك وعملك إلى نتائج عكسية لم تخطر لك على بال...... الحياة عمل متواصل، وجهاد مستمر، وأمل يتجدد، وبهذا تعلم ما يعترض طريقك من عقبات، وستصل إلى ما تصبو إليه -بإذن الله- وحسبك من طلب العلى سهر الليالي).
ثم إن الكتاب يحكي جانباً إنسانياً في شخصية القاضي -حفظه الله- حيث إن عائده مهدي إلى جمعيات الأيتام في المملكة العربية السعودية، وهذه سنة للقاضي متبعة في فلذات كبده وهي التالية:
- الشيخ حسن آل الشيخ الإنسان الذي لم يرحل.
- أشرعة للوطن والثقافة.
- رؤية حول تصحيح صورة بلادنا وإسلامنا، وهو يحفل بترجمة أنيقة مفيدة إلى اللغة الإنجليزية.
- غاب تحت الثري أحباء قلبي.
- الثقافة الورقية في زمن الإعلام الرقمي.
- قراءة في جوانب الراحل د. غازي القصبي الإنسانية.
- د. عبدالعزيز الخويطر وسم على أديم النزاهة والوطن. وثامنها الكتاب الذي تقع قراءته بين أيدي القراء الكرام، وبهذه اللفتة الإنسانية يتبين أن القاضي جمع في عمله هذا بين علم وأدب، ومال ومقال، ولوقع حروف القاضي نغم عذب شيق جميل، ومن خير ما يتمثل على حروف القاضي الأدبية قوله تحت عنوان (بين سيف العقل ومطر العاطفة) ما فحواه (العقل يقف کشيخ وقور جلله المشيب يوصي بالاتزان والحكمة والرفق، والعاطفة كشاب متوقد يحفز على المزيد من الانطلاق والاندفاع..... إن الإنسان يقف في بعض الأحايين وقفة مدججة بالحيرة بين نوازع العقل وحوافز العاطفة، بين التضحية من أجل غيرنا، والتمسك ببعض الأشياء من أجل ذواتنا)، ولا يترك القاضي قارئ كتابه في حيرة من أمره، بل يدلي بكلمة فاصلة، وهي زبدة القول، وخلاصة المقال، بيَّن فيها متى يدلي العقل بدلوه، ومتى تنساب العاطفة، فيقول: (يبقى للعقل مكانه الذي لا يحتله غيره، وللعاطفة مكانتها التي لا غني عنها، لكن السؤال متى تستخدم العقل ومتي نحتمي بمطر العاطفة). والقاضي يحيي بذلك طريقة قديمة صال فيها الأدباء وجالوا، وطرزوا كتبهم بروائع الانتقاء والاختيار من معين الأدب، وبحر البلاغة، فقد كان الأدباء قديماً كثيراً ما يقارنون بين شيئين متضادين، حيث ينسجون مقالاً لكل متحدث منهما، ثم يأتون بكلمة فصل بين هذين المتضادين كالليل والنهار، والسواد والبياض، والشمس والقمر، والموت والحياة، والسلم والحرب، والمرض، والعافية، والضحك، والبكاء، والاستهلالة، والخاتمة، والسيف، والقلم، والشعر والنثر. وقد حفلت النصوص النثرية، والشواهد الشعرية، والخطب الوعظية بما يمتع العقل، ويرضي الذوق. وقد سار القاضي على منوال من سبقه من الأدباء والبلغاء والنبهاء، ومعجم الأدب لياقوت الحموي مليء بكم هائل من القران والمقارنة بين الأضداد، فأبدعوا وبرزوا والقاضي متأس له بشيوخ أجلاء، وأدباء نبغاء صال على إثرهم وجال.
وحق وحقيقة أن كتاب الأديب القاضي يعد تحفة أدبية وموهبة ثرية، وحينما تقرأه تفجئك الشواهد الشعرية والخطب الوعظية بما يعزز المقام، ويخدم المقال.
هي أبيات شعرية تنمُّ عن لون وذوق وصوت يتميز به القاضي، وهو يأتي بها ليثري نثره، ويشبع قصده، أو يحكي حكمة أو يرسم منقبة، أو ينقد مثليه، والشعر يحتاج إلى أديب صادق يجسد نثره بخيالات الشعراء، وسعة أفقهم، وحسبك بمؤلف الكتاب جمالاً في الذوق، ودقة في الوصف، وإلهاماً في الأدب، وجاءت اختياراته الشعرية بمنزلة الشعلة المتوهجة في إذكاء القريحة الأدبية، وإيقاد النزعة الشعرية. هذا، وقد تحدث القاضي في موضوعات شتى شغلت فكره، واستلهمت أدبه، فيقول تحت عنوان: هل نجرب المحبة؟ (أليست الحياة وما فيها كما صورها شاعر العصور في بيت بسيط ممتلئ صدقاً:
ومراد النفوس أهون من
أن نتعادى فيه أو نتفانى).
إن كل قطيعة تتم إنما هي بسبب (مراد النفوس) ولحاك الله يا مراد النفوس، فكم مزقت من وشائج وهدمت من علائق، ألا نقدر أن نشيح ثقافة التسامح بين أوراق قلوبنا لتطيب حياتنا وحياة غيرنا (فلا يستطيب العيش إلا المسامح... ليتنا نحس بذلك لنربح وتستريح وليتنا نجرب المحبة). ويقف القلم حائرة فيما يسطره من نز يراع الأديب حمد القاضي، بل القلم هو الغواص الماهر الذي ينتقي الناغر وفوائد وفرائد القاضي.
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
حفظ الله القاضي وأبقاه، وشق له من اسمه ليجله ويرعاه.
** **
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف -بنت الأعشى-
عنوان التواصل: ص.ب 54753 - الرياض 11524
hanan.alsaif@hotmail.com