د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
السعودية دولة منتجة للوقود الأحفوري الذي من المرجح أن يستمر استخدامه كأحد مصادر الطاقة طوال القرن الحادي والعشرين، وترى السعودية أن تقنيات الطاقة المتجددة وحدها غير كافية لتحقيق أهداف المناخ العالمية، لذلك يحتم على العالم تطوير أساليب لضبط انبعاثات الكربون.
ومنذ عام 2009 أطلقت السعودية كاوست، ومن أهم أهداف جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية السعي إلى كيفية احتجاز ثاني أكسيد الكربون، والحلول القائمة على الطبيعة، والطاقة المتجددة، والاستخدامات المأمونة الممكنة لثاني أكسيد الكربون.
هدفت الجامعة إلى إنشاء شبكة قوية من الباحثين تدعم على نحو فعال واستباقي ريادة السعودية في هذا المجال المستجد، واعتبرت أن الاقتصاد الدائري للكربون نموذج اقتصادي مصمم للتخفيف من تراكم الكربون في الغلاف الجوي، وهو نهج جديد مهم لإدارة الكربون والتصدي لتغير المناخ، الذي جمع قاعدة بيانات أولية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن 1200 صناعة معينة. ما جعل الجامعة تتبنى مبادرة أسمتها بمبادرة كاوست للاقتصاد الدائري للكربون للحد من انبعاثات الكربون، وإعادة استخدامه، وإعادة تدويره، ويمكن تخزينه في خزانات النفط المستنفذة، ويمكن تحويله فيما بعد إلى مواد أولية صناعية على غرار الأسمدة أو الميثانول.
تعد كاوست جهة مرجعية للدراسات المتعلقة باقتصاد الكربون الدائري، تقدم إسهامات بالغة الأهمية على صعيد الاستراتيجية الرباعية، وتسعى الجامعة إلى أن تكون رائدة عالمية بمساهماتها في تقديم حلول فعالة للتحديات الوطنية والعالمية.
لم تتوقف كاوست عند هذا الحد، بل تبحث في كفاءة الطاقة وفي نفس الوقت الحفاظ على البيئة، وتدرس الجامعة استخدام مواد طبيعية مثل السليلوز والسيكلودكسترين لتصنيع الأغشية كبدائل صديقة للبيئة تحل محل الفصل الحراري المهدر للطاقة، ليس هذا فحسب بل تحاول الجامعة ابتكار عوامل تحفيزية لها القدرة على تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى مواد كيميائية نافعة مثل الميثانول الذي يمكن استخدامه كوقود مذيب، أو مضاد للتجمد، أو الأوليفينات التي تستخدم في صناعة البلاستيك والراتنجات والألياف واللدائن ومواد وزيوت التشحيم والمواد الهلامية التي لها استخدامات في الورنيش والصمغ، وهي عمليات مثمرة تؤثر على المناخ تأثيراً إيجابياً لخفض مستويات البصمة الكربونية عن طريق إعادة تدوير البلاستيك من أجل تصنيع الأغشية، وقد نجح الفريق البحثي بالجامعة في إعادة تدوير مادة البولي إيثلين تريفثاليت من مخلفات زجاجات المياه، من أجل إنتاج أغشية بوليمر متينة يمكن استخدامها كمرشحات جزئية في الصناعات الكيمائية، كما نجح الفريق البحثي في تحويل مادة البلوي إيثر إيثر كيتون وهي إحدى اللدائن الحرارية المستخدمة في تصنيع أغشية المحركات والمضخات إلى أحد مركبات السلائف المستخدمة في تصنيع أغشية تمتاز بالثبات في بيئات قاسية.
أيضاً قد تتوصل الجامعة إلى خفض مستويات البصمة الكربونية عبر توربينات غاز أكثر كفاءة تزود الطائرات والقطارات والمولدات والمضخات بالطاقة اللازمة لتشغيلها، ويجرب الباحثون في الجامعة إمكانية الاستعانة بخلائط من الهيدروكربونات التقليدية، وأنواع الوقود الخالية من الكربون، على غرار الأمونيا في تشغيل توربينات الغاز.
هذا بخلاف اهتمام الجامعة بتسخير الطاقة الشمسية، من خلال تصنيع جسيمات نانوية عضوية لتحسين كفاءة تطور الهيدروجين على نحو هائل، ما يمكن تلك الجسيمات من امتصاص المزيد من طيف الضوء المرئي لتحويل ضوء الشمس بكفاءة أكبر إلى كهرباء، في الوقت ذاته تتسم بالشفافية والمتانة وخفة الوزن، إذ تجعلها مثالية لاستخدامها في الأبنية والنوافذ.
الجامعة مستمرة في صياغة مفاهيم للاستخدام الدائري للمواد والأغشية، ولم تتوقف الجامعة عند خفض مستويات البصمة الكربونية، بل أيضاً خفض مستويات البصمة البيئية لانبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الوقود الأحفوري على نطاق كبير، ولا يقتصر الأمر على تغير المناخ، بل يشمل أيضاً جميع أزمات الاستدامة التي تعاني منها البشرية.
ما جعل وزراء الطاقة في مجموعة العشرين يؤيدون منصة الاقتصاد الدائري للكربون كأداة لإدارة الانبعاثات وتعزيز الوصول إلى الطاقة، والاعتراف بهذه المنصة كنهج شامل ومتكامل وعملي لإدارة الانبعاثات، إلى جانب توفير مسارات جديدة نحو التنويع الاقتصادي والنمو في السعودية.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة