عبد الرحمن بن محمد السدحان
مقدمة لا بد منها:
* بدْءًا، قد ينعتني أحدٌ بما يشبه الإسراف في الحديث عن فقيد الوطن والقافية والقلم، معالي الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي -رحمه الله- وأقول تعليقًا على ذلك، إنّ هذا الإسراف أو ما يشبهه -إن صح القول- فخرٌ لي وأمنٌ وسعادة، لأن ذلك الرجل بما تميّز به خُلقًا وإبداعًا، حرفًا ولسانًا وتعاملاً، جدير بما كُتب ويُكتب عنه ذكرًا وذكرى!
* * *
* ولذا، لا أستكثر أن أكتب عنه كلَّما قرعت أجراسُ ذكره وذكراه في خاطري!
فقد وُصف فقيد الوطن الكبير، الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- أكثر من مرّة بأنه (استثناء) في أمورٍ عِدّة، سيرةً وعطاءً وخُلقًا، وقد كان ولا ريْب جديرًا بما وُصِفَ به، استهداءً بما عُرِف عنه وبه، قدراتٍ وإنجازات وسيرة حياة!
* * *
* كان التفوّق رفيقَ مشواره الطويل، منذ أن نطق بالشِّعر صغيرًا، مرُورًا بمراحل التعليم المختلفة قبل أن يلتحق بجامعة الملك سعود (أستاذًا جامعيًا) بدءًا من (1970م حتى 1974م)، عقب تخرجه من جامعة القاهرة. ثم عُيّن رئيسًا لقطاع سكة الحديد (1974م - 1975م)، كما حمل أكثر من حقيبة وزارية بدءًا بوزارة الصناعة والكهرباء (1975م حتى 1982م)، ثم حقيبة وزارة الصحة (1982م - 1984م).
* * *
* وفي وقت لاحق، عُيِّن وزيرًا للمياه والكهرباء (2003م - 2004م)، ثم انتهى مشواره الوزاري في وزارة العمل وزيرًا حتى عام (2010م).
* * *
* نعم.. ذلكم هو غازي القصيبي، الوزير وقلعة الفكر والشعر، وقامتها المنيفة، ورغم ذلك، يبهرك بتواضعه الذي لا يكاد يخصُّ به أحدًا من البشر دونَ آخر! كان من أبرز خصاله -رحمه الله- أنه يحترم من يختلف معه في الرؤية والرأي، فيجادله بالحُسْنَى، فإما أقنعه برأي، أو اقتنع هو بالرأي الآخر، أو تركه لشأنه، ثم يعجب المرء بعد ذلك وهو يشاهد تواصل أنفاس الودِّ بين الاثنين، وكأن شيئًا بينهما لم يكن!
* * *
* شرُفْتُ بمعرفته بادئ الأمر قبل أكثر من أربعين حَوْلاً، كان كلُّ منا طالبًا في جامعة جنوب كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس، وكنتُ وقتئذٍ أخطو خطواتي الأولى في الجامعة، طالبًا في كلية الإدارة العامة، فيما كان في أواخر مرحلة الماجستير، وقد منحني شرفَ القرب منه -رحمه الله- داخل تلك الجامعة وخارجها، وكانت فرصةً لا تُعوَّض، فأتعلم عنه ومنه الكثير، ممَّا أفادني في مشواري الأكاديمي بدْءًا، ثم في ما تلا ذلك من مراحل العمر الأخرى، في لوس أنجلوس، وفي الوطن الغالي لاحقًا، وكان في كل الأوقات نِعْمَ الناصح لي ونعم المشير!
* * *
* وأتذكر الآن وكل آن أنه خلال فترة دراسته الجامعية في لوس أنجلوس، تمّ انتخابه من قِبَل الطلاب السعودييّن والعرب في الجامعة ليرأسَ فرعَ جمعية الطلاب السعوديين والعرب هناك، واختارني (أمينًا لصندوق فرعَ الجمعية) في الجامعة، ولم يكن له مورد ثابت للدخل سوى ما تدرّه رسومُ العضوية تحصيلاً متواضعًا أو التبرعات المقطوعة إن وُجدتْ!
***
* أختم هذه الخاطرة بذكر موقف طريف لمعاليه، حين لم يستطع ردْعَ الدعابة الذكية، حين شاهدني ذات مساء في حفلٍ لجمعية الطلاب العرب أرتدي ربطة عنق جديدة لم يتجاوز ثمنها عشرة دولارات، فابتسم -رحمه الله- وهو يشير إلى ربطة العنق، وقال متسائلاً: (من أيْن لَكَ هذا يا عبد الرحمن؟) فضجّت القاعة بالضحك.. وكانت ليلة من العُمر لا تُنْسَى!!