تركي بن رشود الشثري
رحم الله الشيخ ناصر الشثري رجل المكرمات وصاحب المواقف المشرفة، وثق به ولاة الأمر وأحبوه، وعانقته قلوب الخلق من قريب وبعيد، كيف لا وهو الكريم صاحب المجلس المفتوح والعطاء الممنوح والقلب المشرق والابتسامة الآسرة، رأى عَلَمٌ فشمَّر إليه، ومن حين ما قام لفعل الخيرات لم يقعد إلا على مصحفه أو ذكره، لم يشغله النفع العام عن التعبد، ولم يشغله الناس عن رب الجنة والناس، والد للجميع، راجح العقل، حلال للصعوبات، لا يملك من يجالسه إلا أن يأنس بمجلسه، ولا يملك من يسمع بفعاله إلا أن يحبه، وله مواقف خاصة في ظروف خاصة أثبتت طيب معدنه وعلو أصله، لا يسع المقام لذكر خصائصه القلبية، والتي ظهرت في دوائره القريبة من عفو عن مسيء لا يجود بمثله إلا الأماثل من الكبار، لقد شهدت وسمعت من فيه إلى أذني وصايا بإكرام من أخطؤوا كثيراً، وكأنهم من أخلص أصفيائه، قدر فعفى، وظهر فتواضع، واغتنى فبذل، وحمل في قلبه الحب للحاكم والمحكوم، نصح في إرشاده، وبذل نفسه حتى الرمق الأخير، شفاعة وإصلاحاً وبذلاً ونفقات على القريب والبعيد.
لله ما أخذ ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بمقدار، ولا نقول إلا ما يرضي الله، ليس تأبيناً ولا تعداد مآثر، ولكنه تذكير للجيل برجل من رجالات التاريخ جمع الله له بين الدين وتدبير الدنيا بما يرضي ربه ويستميل قلوب خلقه في وصفة نادرة، وهبه الله قلباً لا يحمل الضغائن، بل رد الإساءة بالإحسان وليست مرة ولا مرات بل عشرات، يعطي وينسى، بلا منِّ ولا أذى، له كلمات مكرورة لا يمل من تردادها منها: سؤاله عن حال زائره وكأنه يحثه على الطلب، ومنها لا تروح تغد معنا، لا تروح تعش معنا، قمة سعادته أن يشاركه الكبير والصغير الغني والفقير سفرته العامرة.
سافرت شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً خارجاً وداخلاً، لا أذكر بقعة زرتها وعُرف اسمي إلا وأشرقت الوجوه وتساءلت عن الشيخ وحاله وأبنائه، خصوصاً معالي الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله وأمد في عمره وأعانه على إتمام المسيرة الجميلة، يمر بي هذا ويمر بجميع أبناء العمومة، وفقنا الله للدعاء له ولن نوفيه، وبالعمل على ضوء سيرته ولن نلحقه، وأن نقدم لولاة أمرنا وجميع الناس ما ينتظرونه ممن تشرف بالتعلم والتأدب في مجالس الشيخ ناصر الشثري.
إلى جنة الخلد يا أبا خالد، إلى جنة الخلد فنعم الوالد، أعزي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وكافة أفراد الأسرة المالكة في فقيد الوطن الذي أحبهم وأحبوه وعاش معهم منهم ولهم وكان مستشاراً أميناً، وحال الوطن اليوم يردد مع الشاعر قوله:
في ذمة الله ما ألقى وما أجد
أهذه صخرة أم هذه كبد؟.