د.عبدالرحيم محمود جاموس
أي انحراف للبوصلة الوطنية الفلسطينية والعربية والإسلامية عن القدس، وما يجري فيها، من استهداف للإنسان واقتلاعه، وللمقدس من السيطرة عليه ومن ثم هدمه وتدميره، كي يبنى الهيكل المزعوم على أنقاضه، يعدُ جريمة حرب ضد الإنسانية في حد ذلك..
إن التاريخ لن يرحم من لا يساهم في تثبيت الإنسان المقدسي وحمايته وتمكينه في مدينته القدس وفي الدفاع عنها وعنه، ومن لا يساهم في تحرير القدس حتى ولو بالكلمة والصورة - وذلك أضعف الإيمان - سيُكتب مقصراً ومتخاذلاً...!
القدس جوهرة فلسطين ومركز الصراع فيها وعنوانه قديماً وحديثاً، من يكسب القدس يكسب فلسطين، ومن يخسر القدس يخسر فلسطين... هذه القاعدة والخلاصة حكمت نتيجة جل بل جميع الصراعات والتحديات التي واجهت فلسطين والمنطقة العربية عامة منذ الأزل، قبل الإسلام وبعده...!
إن ما للقدس من أهمية روحية بحد ذاتها، وما لها من أهمية تاريخية، واستراتيجية، مثلت رمزية روحية سامية مؤكدةً على مرِ الزمن، لا يستطيع أحد إنكارها أو تجاهلها..
هذا ما جعل من القدس هدفاً لقوى الاستعمار القديم والوسيط والحديث...
هذا ما يوجب ويفرض على الفلسطينيين ومن ورائهم أشقاؤهم العرب، مسيحييهم ومسلميهم، وعلى العالم الإسلامي شعوباً ودولاً، وعلى جميع المؤمنين وأحرار العالم، وأنصار السلام أن يتوحدوا في الدفاع عن القدس وأهلها ودعمها.. وأن لا يتركوها فريسة لكيان صهيوني غاصب فاشٍ عنصري، تتنافى منظومته القيمية ومنظومة الإنسانية والإيمان والأخلاق والقانون، القانون الذي يسمو على الفكر العنصري والاقتلاعي البغيض الذي يمارسه الكيان الصهيوني في مدينة القدس خاصة وفي إقليم فلسطين عامة..
هذا الكيان الصهيوني الذي بات مجرداً من كل قيم الإنسانية ومتحدياً أبسط القوانين الدولية، والمفرط في استخدام كل أشكال القوة من قتل وتدمير وتهجير في حق الشعب الفلسطيني منذ نشأته إلى اليوم، دون رادع يردعه..
فقد بات كياناً مارقاً، ومتحدياً لكل دول وشعوب الأرض قاطبة، ومتحدياً للقرارات الدولية كافة التي تدين سلوكه وممارساته، مجاهراً في تحديها وتحدي قواعد قانون الحرب بصفة خاصة وقواعد القانون الدولي والإنساني عامة، ويفرض الوقائع على الأرض كيف يشاء، من حصار إلى تجويع وقتل بالجملة وتدمير لمنازل الآمنين كما فعل في العدوان على غزة، وفي القدس وفي كل مدن وقرى فلسطين على مرأى ومسمع من العالم، كل ذلك جاء تنفيذاً لسياساته العنصرية الفاشية، القائمة والمؤسسة على أساطير لاهوتية بائدة، تدفع العالم نحو حروب دينية لتعيد المنطقة إلى عصر القرون الوسطى، عصر الظلم والجهل والظلام...
يعيد العالم إلى عصر تبرير القتل والطرد الجماعي والتطهير العرقي للجنس البشري باسم الإرادة الإلهية المزورة، والله بريء من جميع أفعاله وأفكاره وأساطيره كل البراءة..
فلتبقَ القدس قبلتنا توحدنا، ونلتف حولها وحول صمود أبنائها وأهلها، دون تردد أو خذلان، والنضال من أجل إحباط مشاريع الكيان الغاصب فيها كافة من قتل وتدمير وتهجير وسيطرة وعدوان، فهي القدس مركز الصراع وعنوانه.. فلا انتصار دون وقف العدوان عليها وتحريرها لتعود إلى بهائها وقدسيتها عاصمة لدولة فلسطين الحرة، يرونها بعيدة ونراها قريبة وإنا لصادقون.