محمد بن عيسى الكنعان
السياسة الإيرانية الإقليمية تقوم على مبدأ التوسع والنفوذ، من خلال تصدير الثورة الخمينية، والتدخل في شؤون الآخرين، ومحاولة اختراق المجتمعات العربية، واحتواء كل حركة أو حزب معارض فيها، وهو مبدأ تكرّس كنهج سياسي منذ قدوم رأس الفتنة الخميني وحتى وقتنا الراهن. هذه السياسة العدوانية في المجمل تقوم على مرحلتين متصلتين ببعضهما، إحداهما تؤدي إلى الأخرى، الأولى هي الاحتواء المباشر، والأخرى هي الاحتلال غير المباشر، بمعنى أن نظام الملالي الإيراني - من خلال الحرس الثوري - يعمل على اختراق الحركات والأحزاب الإسلامية ومن ثم احتوائها، ودعمها تحت مظلة وحدة العقيدة الدينية والتوجهات الإسلامية للتحرر ومعاداة الغرب المستعمر، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
سياسة الاحتواء جعلت الحركات والأحزاب الإسلامية حصان طروادة في وطننا العربي؛ ما مكّن إيران من احتلال أربعة عواصم عربية، فإيران احتوت ما يسمى حزب الله في لبنان حتى أن أمينه العام حسن نصر الله سبق أن أعلن في خطاب لأنصاره أن ولاءه هو للخميني ومن بعده الخامنئي وليس للدولة اللبنانية، وإيران احتوت المعارضة العراقية الشيعية، وعندما سقط صدام جاءت هذه المعارضة إلى بغداد على ظهر الدبابة الأمريكية، ولكن ولاءها كان لإيران! كما احتوت إيران نظام بشار الأسد حتى تمكنت من التوغل في سوريا، والآن تعمل على تغيير الخريطة السكانية بالاستيلاء على بيوت السوريين. أما النسخة الأحدث فهم الحوثيون باليمن (أنصار الله)، الذين انقلبوا على الشرعية ورهنوا اليمن للأجندة الإيرانية المتعارضة تمامًا مع المصالح العربية والاستقرار الإقليمي.
أما فلسطين وهي القضية المركزية الأولى في عالمنا العربي فلم تغب عن الأهداف التوسعية والرؤية الإيرانية، فالمقاومة لا زالت ورقة رابحة بيد إيران! لهذا ركّزت على حركات المقاومة الفلسطينية كالجهاد وحماس، من خلال العلاقات والدعم غير المشروط حتى تنغمس هذه الحركات بالمال الإيراني، فتتحول من حركة مقاومة إلى ورقة مقاولة في لعبة المحاور الإقليمية والمشروعات التي تستهدف عالمنا العربي، وهذا ما حدث بالفعل. في البداية نجحت إيران باحتواء حركة الجهاد الإسلامي وضمها إلى جانبها من خلال النظام السوري، بينما حاولت حركة حماس أن تستقل عن القرار الإيراني، إلا أنها لم تستطع الصمود في وجه الإغراءات الإيرانية، فوقعت هي الأخرى في الجيب الإيراني، وصارت تتماهى مع توجهات السياسة الإيرانية بشكل مخز ومستفز لكل عربي شريف يرى الخراب والفساد، الذي صنعه الإيرانيون في عالمنا العربي، لدرجة أن قادة حماس يصفون في خطاباتهم الإرهابي المجرم قاسم سليماني بالشهيد، ويرفعون صور قاتل أطفال سوريا ونسائها، ثم كان السقوط المريع في وحل العار عندما اصطفت حماس إلى جانب الحوثيين، الذين يستهدفون المملكة بالصواريخ والطائرات المسيرة، فلا تدري أي عقلية هذه التي تدعي تحرير الأقصى وهي تقبل استهداف بلاد الحرمين بالصواريخ، وهي بذلك تثبت على نفسها بالعمالة الخسيسة لإيران، وأنها مجرد بيدق على رقعة المشروع الفارسي. ولعل مشاهد العاركانت واضحة بقيام ممثل حماس في اليمن أبو شمالة بزيارة الحوثيين وإعلانه تأييدهم وتكريم أحد قادتهم!
فبأي وجه ستقابل حماس أطفال فلسطين وتدعي حمايتهم وهي تضع يدها بمن يقتل أطفال اليمن، وآخر جرائمه ما فعله بأطفال مأرب! لكنها نجاسة السياسة التي لم تتطهر منها حماس من يوم أن باعت ولاءها لإيران على حساب فلسطين قبل أن يكون على حساب محيطها العربي. هذه النجاسة الممزوجة بالعمالة هي التي جعلت حماس تتخبط في طريقها بين محاربة الاحتلال الصهيوني وتأييد الاحتلال الصفوي، والمضحك أن قادتها يتهمون العرب بالعمالة والتصهين وهم عملاء لإيران حتى الثمالة، لقد تركت حماس خط النار وسقطت في وحل العار، وخرجت من الخنادق وسكنت الفنادق بفعل الفواتير الإيرانية التي يدفعها الحرس الثوري بسخاء. سقوط حماس لا يعني ضياع الدم الفلسطيني أوخلو فلسطين من الأحرار والشرفاء الذين ينتمون لمحيطهم العربي، ويعرفون ويقدرون الدول التي تدعمهم لاستعادة حقوقهم وعلى رأسها المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-، هؤلاء هم فرس الرهان الفلسطيني، أما المتاجرون بالقضية ومرتزقة إيران فإلى مزبلة التاريخ بنهاية المطاف.