منال أحمد الشهري
يعد البحث العلمي أحد المقاييس المهمة للتقدم الحضاري لدى الأمم. إن النقاش حول التناسب الطردي بين نفقات البحث العلمي والازدهار الاقتصادي أصبح من الماضي لأن ما ينفق على البحث العلمي سنوياً يمثل أحد المؤشرات الاقتصادية المهمة والمحفزة على الاستثمار. وعلى إثر تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19)، تابعنا الحكومات في جميع دول العالم وهي تترجم نتائج الأبحاث العلمية إلى قرارات تطبيقية احترازية واقتصادية واجتماعية ولاحقاً إلى لقاحات لتحصين الشعوب.في السنوات الأخيرة، ازداد اهتمام المملكة بالبحث العلمي والابتكار وبدت ملامح هذا الاهتمام مبكرة في الاشتراط على مبتعثي الدراسات العليا بأن تنتهي دراسة الدرجة العلمية برسالة (بحث تخرج) وألا يُكتفى بالمقررات الدراسية، وذلك ينطبق على المبتعثين من كوادر الجامعات السعودية أو طلاب برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي. وفي ملمح آخر، تطالب الجامعات الحكومية كوادرها من المحاضرين والدكاترة بنشر عدد معين من الأوراق العلمية سنوياً. وتتويجاً لهذا الاهتمام تم انشاء اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار في شهر مارس الماضي والمرتبطة مباشرة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ليمثل نقلة نوعية لتحقيق مستهدفات الرؤية نحو الريادة العالمية.
وعلى الرغم من الدور الريادي الذي تقوم به مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) في دعم وتمويل البحث العلمي في المملكة، إلا أن أهمية وجود مظلة تجمع الباحثين من مختلف المراكز البحثية حقيقة لا يمكن انكارها. وقد جاءت موافقة مجلس الوزراء على إنشاء هيئة باسم هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لتعزز مسيرة وطننا الغالي اتجاه مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر.
كلنا ثقة بأن هذه الهيئة ستعالج الكثير من القضايا والتحديات التي تواجه المجتمع البحثي وتبرز أهمية الهيئة في عدة جوانب لا يسع المجال لذكرها هنا ولكن نسرد بعضها، كالتالي:
أولاً: نشر ثقافة البحث العلمي في المجتمع وبين طلاب الجامعات من خلال المحاضرات وورش العمل التي تتدرج في المستوى. توجد بعض المبادرات من بعض الجهات الحكومية والخاصة ولكن رسوم التسجيل مبالغ فيها (حتى بعد أن أصبحت مؤخراً عن بُعد) مع العلم أن الشريحة المستهدفة هي من الطلاب أو حديثي التخرج.
ثانياً: تعزيز التعاون البحثي بين المراكز البحثية المنتشرة حول المملكة، وأن تكون الهيئة هي حلقة الوصل التي تربط الباحثين من مختلف التخصصات المهتمين بنفس الفكرة البحثية، مما سيزيد من جودة البحث ويضاعف فرص رؤيته للنور على شكل منتج ملموس.
ثالثاً: وضع الخطط البحثية التي تركز على حل المشاكل القومية في المملكة على غرار ما تم إنجازه في مشروع جينوم الجمل العربي، وجينوم سوسة النخيل الحمراء، والتي كان لها الأثر الكبير محلياً ودولياً وجميعها نتاج النظرة الاستشرافية للباحثين ومتخذي القرار في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. كما أن ذلك من شأنه أن يعزز المشاركة المجتمعية من قبل القطاع الخاص لدعم الأبحاث فيما يصب في خدمة مصالحها وحل أزماتها، ومن ثم امتداد الأثر على مصلحة المجتمع.
رابعاً: معظم المراكز البحثية في المملكة تولي اهتماماً كبيراً بالأبحاث الحيوية والطبية وقد تميزت مشاريعها البحثية إقليمياً ودولياً كمشروع الجينوم السعودي ومشروع فيروس كورونا المسبب لمتلازمه الشرق الأوسط التنفسية، ولكن ماذا عن المجالات الأخرى مثل العلوم الانسانية والفن والسياحة والتراث والرياضة وغيرها والتي تشكل محوراً رئيسياً لخلق اقتصاد متنوع ومزدهر. نحتاج لمراكز بحثية وباحثين في مختلف التخصصات المتسقة مع جميع مستهدفات رؤية المملكة. أخيراً: إن خوض معترك البحث العلمي هو أقرب ما يكون لتبنيه كأسلوب حياة أكثر من كونه وظيفة بساعات عمل محددة، لذا من الضروري استحداث تصنيف مهني وسلم وظيفي خاص للباحثين المتفرغين للبحث والنشر العلمي بما يتناسب مع طبيعة هذه المهنة ويأخذ بعين الاعتبار سنين الخبرة والإنتاج العلمي مما يحفز التنافس والإنتاجية ويستقطب العقول المتميزة.
آمالنا معلقة بهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لتحقق للبحث العلمي أهدافه وغاياته في تحسين حياة الفرد وتحقيق التنمية المستدامة. والمملكة قادرة بعلمائها وشبابها الطموح أن تقارع دول العالم المتقدمة في البحث والابتكار بتوفيق الله ثم الدعم اللا محدود من القيادة الرشيدة.
** **
باحثة في المعلوماتية الحيوية - مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية