الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يعتبر الشك أحد الصفات السيئة الموجودة في الإنسان، ذكوراً وإناثاً، كما يعد الشك وسوء الظن من آفات النفس الخطيرة التي هدمت الكيانات المجتمعية، وشتت شمل الأسر، وفرقت بين الأحباب والأصحاب، ونقضت عرى المودة والمحبة.
وديننا الإسلامي يحثنا على الآداب ومكارم الأخلاق في الحكم على الأشياء والأشخاص، والاعتماد على الظاهر، وترك السرائر إلى الله وحده الذي يعلم السر وأخفى.
«الجزيرة» التقت عددًا من المختصين في العلوم الشرعية والتربوية ليتحدثوا حول الشك، وفيما يلي أحاديثهم.
منهجية الشك
يؤكد الدكتور عبدالرحيم بن محمد المغذوي أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية سابقاً أن مبدأ الشك في الحياة البشرية يؤثر في (نظام العقد الاجتماعي) بصورة أو بأخرى ويؤثر بشكل كبير جدًا على احتضان فكر وثقافة ومنهجية (اليقين) في حياة المجتمع المسلم وخاصة من قبل بعض الأفراد والجماعات والتيارات والمكونات الاجتماعية، ولقد أثمر منهج الشك أو النظرية الشكوكية في حياة بعض الناس أو كثير من المجتمعات لأسباب كثيرة ومتنوعة وجعلت من بعض الأشخاص أو المكونات في المجتمع جزرًا يصعب التجسير بينها أو الإبحار في مياهها أو حتى التجديف بالقرب منها، وذلك راجع إلى أن منهجية الشك تورث الريبة والشكوك في الآخرين وبالتالي عدم تصديقهم أو الاقتراب منهم؛ أضف إلى ذلك كله حالات التقزم المنهجي والفكري والثقافي المؤدلج في تلكم الجماعات والمكونات في المجتمع والتي تعيش على فتات من الماضي وتقاتل على مجموعة من الأفكار المنتقاة وفق منهجية معينة قد اختلط الحق فيها بالباطل وامتزج العقل بالانفلات والحكمة بالسذاجة والقوامة بالانحراف، وكل ذلك أدى إلى مزيج غريب وأخلاط عجيبة من عجينة الفكر والثقافة والمعرفة والمنهج لدى تلك المكونات.
ويضيف الدكتور المغذوي قائلاً: بالتالي فإن محاولة النظرة الأيديولوجية إلى معرفة الحقيقة المؤلمة لدى تلك المكونات في المجتمع المسلم تبدو صعبة جدًا إن لم تكن صارخة في الألم، فكيف بها تكون يومًا ما جسرًا يربط فئات المجتمع بعضه ببعض ويقرب مسافاته ويAردم فجواته ويسقي غراسه وينافح عن وجوده ويحافظ على قيمه ويرعى كيانه؟، ومن هنا فنحن بأمس الحاجة إلى المراجعة الداخلية في ذواتنا الحضارية وقيمنا الشخصية ومنهجيتنا الفكرية والثقافية والمعرفية للخروج الأمن من دوائر الشك والريبة إلى شواطئ الأمان وبرد اليقين؛ فالنور هو الذي يكشف عتمة الظلمة والشك والريبة ويبصر الإنسان بطريقه على أفضل منهاج وأكمل طريق قال تعالى: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}.
حسن الظن
ويوضح الدكتور عبدالرحمن بن سعيد الحازمي عميد الأكاديمية العالمية للدراسات والتدريب برابطة العالم الإسلامي أن المسلم العاقل سليم القلب لا يظن في أخيه المسلم إلا خيراً، وتجده دائماً يقدم حسن الظن في الغالب الأعم على سوء الظن، إلا إذا ظهر له ما يجعله يسيء الظن بما يعرف من هذا الشخص من سوء في الأخلاق والطباع، أو هناك قضية ومشكلة كبيرة وعلى درجة من الأهمية تجعل سوء الظن مقدماً على حسن الظن.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12]، وقال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12]، وقال: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ}، وقد جاء في الحديث الشريف عن أبى هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا).
ويشير الدكتور الحازمي إلى أن سوء الظن يصور للمرء أموراً كثيرة من إلحاق التهم بأخيه المسلم، وتزداد يوماً بعد يوم حتى يصبح عنده عدواً لدوداً، ثم يأخذ في التخطيط للقضاء على عدوه المزعوم، دفاعاً عن نفسه وثأراً لها، ويعد كل ما في استطاعته للإضرار به، حتى يستحكم النزاع ويصل إلى ما لا تحمد عقباه من الفتن.
لقد اشتغل كثير من المسلمين بعضهم ببعض، اتهاماً ودفاعاً ونسوا الواجب الذي كلفهم الله إياه، وهو الفقه في الدين والعمل به والدعوة إليه والجهاد في سبيل الله، واجتماع الكلمة ونبذ التفرق والخلاف.
ولا شك أن المجتمع المسلم والإنسان المسلم إذا ترسم أخلاق النبي صلى الله عليه سلم، وتمسك بهديه وسيرته فقد وفق كل التوفيق، فانطلق صالحاً مصلحاً يسعى إلى نشر دين الله تعالى وعمارة الأرض بالخير والأمن والتقدم والرقي.
الشكوك مرض
وتقول الدكتورة الهنوف بنت عبدالعزيز الحقيل خبيرة العلاقات الاجتماعية والأسرية، والتربوية وتنمية الذات: إن الشك والظنون اتجاهان أحدهما نافع والآخر ضار، أما النافع مثل الشك في معلومة ومحاولة التقصي عنها والبحث عن حقائق حولها، مثل: عمل الباحث في المجالات العلمية. أما الضار فهي الشكوك والافتراضات حول الأشخاص وتصرفاتهم والتفسيرات الدرامية غير المنطقية والتعامل معها. وهنالك أسلوبان إما البحث عن تفسيرات إيجابية حول تلك الأفكار أو التعبير عنها لمختص أو للشخص المشكوك به بأساليب راقية حيث إن الإنسان بطبيعة عقله دوماً في حالة من التفكير والتفسير لأنه مكرم بالعقل فلا تستخدمه بما يرهقك فالأفكار دوماً تتحول لمشاعر وتنعكس على السلوك وثم صحة الجسم، وكذلك حري بي أن أذكر بأن هنالك بعض الشكوك والأفكار المستمرة قد تكون عارض لمرض أو اضطراب نفسي أو عقلي في حال كانت مستمرة وغير مسيطر عليها.