للعرب قصة عشق أزلية مع الخيل العربية الأصيلة، فكانت الخيل العربية وما زالت مصدر فخر وأصالة واعتزاز للعرب وخاصة سكان الجزيرة العربية منذ أقدم العصور، حتى أن الشجاعة ارتبطت بها وصار يطلق لقب فارس على المقاتل الشجاع الذي يستطيع استخدام سلاحه وركوب خيله بكل براعة، ورافقت كلمة (فارس) العرب إلى يومنا هذا حتى صار يطلق على الشاعر المتمكن فارس الكلمة وهكذا.
ولسكان الجزيرة العربية منذ عصورهم القديمة علاقة وثيقة بالخيل، حيث نجدها بين النقوش الصخرية التي تعود للأمم السابقة التي سكنت الجزيرة العربية وامتدت هذه العلاقة لعصور الإسلام وما بعدها إلى وقتنا الحالي، فكانت الخيل الرفيق الذي لا يخون واتصفت بأجمل الصفات وحافظ العرب على سلالاتها لتبقى مميزة بصفات جمالية وجسمانية لا تشبهها الخيول الأخرى فيها.
والفن دوماً يتغنى بالجمال فكان لشعراء العرب الكثير من الشعر بالخيل العربي ومنهم شاعر بني عامر بن صعصعة حين قال:
بني عامر، مالي أرى الخيل أصبحت
بطاناً, وبعض الضمر للخيل أفضل
أهينوا لها ما تكرمون وباشروا
صيانتها, والصون للخيل أجمل
متى تكرموها يكرم المرء نفسه
وكل امرئ من قومه حيث ينزل
بني عامر، إن الخيول وقاية
لأنفسكم، والوقت وقت مؤجل.
وغيره الكثير من الشعراء.
وللفن التشكيلي حتماً بصمة مميزة في هذا العشق المتوارث في المملكة العربية السعودية موطن الأصالة والفخر، موطن العز الفروسية أرض وحدها الملك المؤسس رحمه الله على صهوة فرسه (عبية) التي تميزت بأجمل الصفات وأقواها بين الخيول وبتنا نرى حب الخيل بين الفنانين التشكيليين المحترفين منهم والهواة وحتى الموهوبين حيث نرى شغفاً في رسمها ومحاولات حثيثة لتعلم تشريحها وإنتاج أعمال فنية ثرية بهذه المفردة التي تلامس قلوب الجميع.
ومن الفنانين الذين شغفهم حب الخيل وأبدعوا في تصويره بلوحاتهم الفنان التشكيلي د. سلطان الزياد أستاذ التصوير التشكيلي والغرافيك بجامعة الملك سعود سابقاً، حيث أنتج العديد من لوحات الخيل بأسلوب جمالي واقعي قريب من المتلقين أبرز فيه معالم الخيل العربي وجماله بتفاصيل فنية أكاديمية مميزة وعن سبب حبه لرسم الخيل العربي قال الدكتور سلطان: (ما دفعني لرسم الخيل العربي الأصيل هو حبي لشكله وصفاته وطباعه التي يتميز بها، إضافة لكونه مصدر فخر عند العرب).
أما الفنان التشكيلي فهد العمار فكان له أسلوب فني متميز تمكن فيه من الخيل بمختلف صوره وتكويناته ورسمه بواقعية وتأثيرية وتجريدية وتمكن من تشريحه بدقة عالية وزاده جمالاً بضربات فرشاة صريحة تبرز مواطن الظل والنور لتشكل مع التأثيرات اللونية مزيجاً من الجمال والإبداع وعن سبب رسمه للخيل قال العمار: (فيها سر جاذب للروح، عندما أنظر إليها أو أتحسسها أو أركبها.. بالنظر إليها يتدفق داخلي شعور الانتماء لهذا الوطن الغالي وأرى فيها ملوكنا وأمجادهم فهي العزة والقوة والجمال، وهي الفخر والمجد، في تفاصيلها إبداع الخالق الذي أحسن كلَّ شيء خلقه. أرى فيها قصص المجد والبطولة).
وكان للفنان التشكيلي عادل العبيدي الذي تميز بالمدرسة الانطباعية أعمال عديدة للخيل العربي بعدة خامات ومنها لوحة انطباعية زيتية مستخدماً في رسمها السكين لتظهر بأسلوب رائع ينقل ما تتلقاه عين الفنان بدون الخوض في التفاصيل الدقيقة ليظهر جمالها بنوع آخر وأسلوب فني مميز وعن حبه للخيل واختياره الانطباعية قال العبيدي: (إن عشقي للخيل عشق طفولي فقد رأيت فيه ما قال الله عز وجل عنها {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} فقد رأيت جمال ركضها والصوت الذي يخرج منها أثناء ركضها وسحرني ضرب أقدامها الأرض وكأن الشرر يخرج من تحت أقدامها.. خيل أسر العالم في جماله وصفاته فهو يرمز للأصالة والقوة والجمال فلا نعجب من حب هذا الكائن الذي يحس بصاحبه في كل الأحوال في فرحه وتعبه فهو يشاركك حتى الألم، وكان علي أن أميز هذا الجمال بجمال التأثير اللوني بضربات السكين التي تعكس اسمها الحاد واستخدامها العنفواني إلى تلاعب لوني وتناغم بين الحس واللون).
وللفنانة التشكيلية رنا محمد شغف طفولي في حب الخيل وبدأت برسمه عند أولى محاولاتها للرسم في طفولتها إلى أن تمكنت منه باحترافية فنية حتى كادت يدها ألا ترسم إلا خيلا، وكان لأسلوبها تأثيرات فنية مميزة وهوية بصرية جميلة تعبر عن هذا الشغف وتشكل الخيل في شتى أوضاعه وغلب عليها رسم الخيل بأوضاع الحركة مع كل تأثير حوله حتى يكاد المتلقي أن يرى عدو الخيل وحركته في أعمالها، وفي كلمات اختصرت فيها هذا الشغف قالت التشكيلية رنا محمد: (وجدت في الخيل منفذاً للتعبير عن ذاتي فهي تلخيص للجمال والقوه والانطلاق الممزوجه بعروبتنا وتراثنا).
وكان للفنانة التشكيلية منى الخويطر بصمة إبداعية في رسم الخيل بعدة أساليب وبخامات تنوعت في عديد من لوحاتها فمنها التشكيل باستخدام الورق ومنها الكرستال واستخدمت الألوان الزيتية والأكريليك والفحم وغيرها لتظهر في كل عمل تجربة جديدة مميزة وتضفي جمال إبداعها في أعمال عديدة وعن تعلقها بالخيل وحبها له قالت التشكيلية منى الخويطر:
(للخيل عز وراعي الخيل خيال
ياسعد منهو في حياته قناها
لا شفتها بالعين تلعب وتختال
تحفر حوافرها بكبدي غلاها
أبيات شعر من الموروث الشعبي تختصر الكثير من العبارات.
الخيل موروث وذكر في القرآن الكريم،
الخيل رمز الأصالة والشموخ والتحمل
الخيل رمز الجمال والقوة تغزل بها الشعراء وملكها النخبة وتفاخر بها الوجهاء لذلك الفنان يعشق رسمها والتباهي بقدرته على اجادة إبداع تفاصيلها).
وتميزت أعمال الفنانة التشكيلة زهرة هزبر بواقعيتها التي أتقنت فيها كل تفاصيل الخيل العربي بألوان زيتية متناسقة واندماج شديد واحترافية عالية في لوحات عديدة من أبرزها لوحة حازت على المركز الثاني في مسابقة ضياء عزيز التي تميزت بقدرتها التصويرية العالية باستخدام شبه أحادي اللون في أغلب العمل الفني الذي عبر من خلاله عن الإحساس الشعري لأصالة الخيل العربي، وعن بداياتها وحبها للخيل ورسمه قالت التشكيلية زهرة هزبر: (وجدت منذ طفولتي شغف يأسرني بمتابعة الخيل ومسابقاته وخصوصاً مسابقات القفز التي كنت انتظرها بفارغ الصبر وأحاول ألا أضيع منها حتى لقطة واحدة مما دفعني لحب هذا الكائن الأصيل، كما وجدت فيه تحدياً كبيراً كونه من أصعب أنواع رسم البورتريه وأمتعها، حيث أني حين أبدأ برسم اللوحة أجد متعة تنسيني أن أرسم أي شيء آخر).
وبهذا نجد أن الفنان التشكيلي دائماً ما يبحث عن الجمال ويبدع فيه ويوثقه، يضفي عليه إبداعه وبعضاً من روحه والكثير من مشاعره وذكرياته وشغفه لينقل ويوثق تاريخاً وحضارة، وإرثاً ثقافياً تتناقله الأجيال ويعبر الحدود والقارات كرسائل دبلوماسية ثقافية لكل بقاع الأرض وأنحاء المعمورة.
** **
- عبدالله عبدالرحمن الخفاجي
تويتر: al_khafajii