غريبٌ كيف تقعُ منذ الصفحات الأولى في بؤر الرذيلةِ وكامل الشذوذ، حدّ مطلق الاشمئزاز، لتتمنّى عبر كلّ سطرٍ أن تتركَ الرواية تخلّصًا من تقيّؤ!
لكن، أنتَ في صلب واقعٍ معيوش، وإن غيرُ سائدة تفاصيله... الوباءُ الأخلاقيّ متفشٍّ في أوكارٍ مجتمعيّة، بل عائليّة أيضًا. وكم جرّارةٌ تداعياتُه في الوسط الذي ينتمي إليه الأشخاص الغارقون في الانحطاطات!
أمّا الحقيقةَ فتكمن في الأسباب. هنا الحبكةُ تُقرأ بأمانة! والأسبابُ صراعٌ إنسانيّ في ملئه. هذه مرسلةُ الروائيّ النصيّة، وما أدّتْ إليه الخواتيم!
هو بطلُ الرواية، الشاذّ أخلاقيًّا، المتمرّس في الموبقات، ترفضه منظومتنا الإنسانيّة وتدينه. لكن مهلاً، لمَ هو هكذا؟ أفعلاً هذا خَيارٌ منه؟ السياقُ يقول لا، وهنا القصّةُ كلّها. واقعٌ بطلُنا في واقعه، لكنّه يعانيه بشدّة!
القصّةُ كلّها، الصراع في أوجِه بين ما يعيش بطلُ الرواية من فسادٍ يتخبّطُ فيه، ولا إرادته في هذا الفساد الذي يدركُ سلبيّاته عليه كما على أحبّائه، وهو مقتنعٌ كم هو غير مسؤولٍ فيه وعنه!
صراعٌ يملكُ على المجريات الروائيّة في خروجٍ من الواقعيّة إلى الاستحداث الخياليّ لشخصيّات الرواية الأبطال والأحداث الأساسيّة التي سيّرت السياق. كأنْ صراعٌ في مكان بين الواقع والخيال، لكنّ التركيبة الخياليّة وُضعت عاملاً أساسيًّا في إخراج الشخصيّتين الرئيستين من عالم الشرّ إلى ارتياد الخير والخير المطلق، وفيه إلى الانعتاق الشامل من مسالك السوء نحو الحياة والفضيلة!
في هذا الإطار، قد نفهم العنوان الذي تزيّت به الرواية، «الملعون المقدّس». في حدّ ذاته، العنوانُ صادم وغير مقبول. لكنّ الدلالةَ فيه، مرسلةٌ وافية. الملعون، هذا الرجل المتخبّط بالرذيلة، اللاعنُه أهلُ بيته أوّلاً، وكلّ من مسّه بأذيّة طبعًا، تقدّسَ في ما آلَ إليه من تحوّل، ولو «فائق المعقول»، أدعُني أقول. إلّا أنّ المقدّس في دلاليّةِ النصّ، يبقى في تصميم البطل وإرادته العليا للتغيّر. للعودة إلى الحالة الإنسانيّة في طبيعتها الأولى، قلْ الطيّبة!
تلبسُ الروايةَ جرأةٌ صادمة من خلال عرضِ الآثام في عريِها، من دون لفتٍ مسبق. ما يعرّض أيًّا من ولوج النصّ، وهو غير مهيّأ أو محصّن، لردّاتِ فعلٍ غير مستحبّة!
ولكن، في إضاءةٍ مجتمعيّة، لا بدّ من رحلةٍ شاقّة عبر منظومةٍ قيميّة متعثّرة في معالجتها، بل منعدمة في انطلاقتها، تتوالدُ تباعًا في تنسيقٍ وجوديّ فلسفيّ، من خارج عالم الناس، يُعيد المفهومَ الإنسانيّ إلى السعي الحياتيّ، ليُحيي رميمًا النفسَ البشريّة إلى منابعها التكوّنيّة السميا...
محمّد إقبال حرب، حسْبُ دعوتكَ هذه تلقى أصداءً، حيثُ تمرّ من دون إسقاطات، في مسامعَ ترتوي من مقاصدكَ النبيلة، فتعتبر!
** **
د. عماد فغالي - كاتب وناقد من لبنان