حوار - مسعدة اليامي:
ضيفنا من ينبع، يصف لنا الشعر بأنه الفكرة المتمردة، وكيف أنهُ حياة تسافر بك إلى الأرض البكر، والمشاركة في المهرجان ليست بهدف السب والشتم ولكن بهدف رقي وحضارة الكلمة التي تجلت في رسالة نبي الرحمة للعالمين فهو لم يبعث لعاناً بل رحمة وذلك هو الواجب أن يكون في طرح القصائد التي تشتمل على شمائل خير الخلق النبي محمد- صلى الله عليه وسلم-.
* نفتتح اللقاء بكلمة من قبلك عن الشعر؟
- الشعر حياة كلمة تسافر بك إلى أرض بكر لم يمسسها بشر ـ سمواً يختلج في روحك لترى جمالامتمثلا في أبسط الأشياء ـ الشعر كشف عن الجوهر فترى الحقيقة بعيداً عن الزيف والتضليل ـ الشعرفكرة متمردة على المألوف لتشكل رؤية مستقلة تعبر عن كينونة الشاعر ـ المتأتية من مراحل تكوين مختلفة ـ الشعر احتراق للورق بعد رحلة للحرث في عوالم القلق ـ الشعر ولادة القصيدة التي قلت عنها ذات لقاء:
كطيف تجيء فيصحو القلق
يغرد في ساحتي بالأرق
فاهرع نحو اليراع لظى
ليعلن بدء احتراق الورق
* متى بدأت تدرك أنك تمتلك موهبة في كتابة الشعر وكيف كانت تلك العلاقة قراءة وكتابة؟
- تعود القراءة والكتابة إلى المرحة الابتدائية، وقد تتكشف ميول الإنسان دون أن يشعر بها لمحدودية إدراكه في تلك الفترة. أذكر أني أخذت مفتاح المكتبة من أحد المعلمين الأفاضل في المرحلة الابتدائية، وكنت أدخل إليها في الفسحة ـ فكنت بذلك أقرأ كثيرا فقرأت في تلك المرحلة الكثير من الروايات العالمية مثل (ذهب مع الريح وطواحين الهواء والبؤساء) والكثير جدا من الروايات العالمية التي كانت
تترجمها سلسلة دار العلم عن الشخصيات التاريخية مثل (خالد بن الوليد، والمتنبي)، وأذكر أن أول مرة صافحت المتنبي كان من خلال هذه السلسلة فبهرتني شخصية المتنبي ـ أبياته الشعرية أبهرتني جدا.. بدأت أكتب بعض الخواطر هي (خربشات) طفولة لا تعد شيئا لكني أذكر أن أول قصيدة أنشدتها كانت في المرحلة الثانوية، وكنت في الصف الأول أو الثاني ثانوي حيث أقيم احتفال فأتيت بقصيدة دفعني لها أستاذي في اللغة العربية كان عنوانها عابرة البحور أذكر منها
هل من محدث لمجد آبائي يحكي لنا مجد هدم
قد كان يوما شامخا واليوم يرثَى بالنظم
وهكذا مضيت بها لم تكن موزونة ذلك الوزن، ولكنها محاولة وكانت جرأة أن أشارك أساتذة كبارا، وأنا في تلك السن.
بقيت علاقتي بالقراءة متصلة تماما فأصبحت أكتب أكثر وأكثر كلما تقدمت في العمركانت تزداد التجربة.كنا نكتب أبناء ينبع جميعا شعرا يسمى شعر (الكسرة) وهو ثنائيات متحدة القافية في الشطرين من الشعبي لكنها كانت تصقل ملكة الشعر، فالشعر يبقى شعراً أين كانت وسيلته أوإيناؤهُ الذي يفرغ فيه، ثم توالت بعد ذلك رحلة الشعر، وأنجزت بحمد الله تعالى حتى اللحظة خمسة دواوين شعرية.
الديوان الأول بعنوان نزيف الجرح صدر عن نادي المدينة عام 1418هـ ثم أتبع بديوان عشق ينبع، وكان عن نادي المدينة أيضا عام 1426هـ ثم أصدرت الديوان الثالث عن أدب الطفل بعنوان نشيد عمركان عن دار متخصصة في أدب الطفل رافق الديوان جملة رسومات حيث خصصت لوحة فنية لكل نص شعري فيه، وكان ذلك عن داركادي ورمادي بجدة عام 1430هـ وفي عام 1438هـ صدر ديوان لما بعد عن نادي القصيم الأدبي ثم الديوان الخامس بعنوان صلوات وفكرته مستقلة تماما ثنائيات في الصلاة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- كنت أرسلها لأصدقائي كل جمعة. جُمعت عبارة ما تكون إلى تغريدات أكثر من مئة وخمس وخمسين تغريدة، وسيصدرالديوان عن نادي أبها الأدبي هذا العام، وهناك ديوان أُعد لهُ على غير عجالة بإذن الله تعالى.
* حدثنا عن مشاركاتك في الأمسيات الشعرية خارج وداخل السعودية؟
- كانت أولى مشاركاتي في المناسبات الوطنية في مدينة ينبع مسقط رأسي ومن ثم بدأت الأمسيات الشعرية كانت أول أمسية طلابية أشارك فيها مع المعلمين في المرحلة الثانوية كانت عام 1415هـ في ينبع شاركنا فيها الدكتور محمد العيد الخطراوي- رحمه الله- وكذلك الأستاذ الشاعر محمد سعد ذيابه- رحمه الله- من السودان والأستاذ الشاعر الصديق إبراهيم الوافي وكانت ضمن فعاليات معرض للكتاب نظمه تعليم ينبع، ثم توالت المشاركات بأمسية في المدينة المنورة، ومشاركات أخرى وطنية فقد شاركت في الجنادرية والعديد من مناطق المملكة المختلفة فكانت لي مشاركات في الباحة، وتبوك، وأبها، ونجران. أما خارج السعودية فقد شاركت في الأوبرا بمصر بصحبة الشاعر حيدر العبد الله من السعودية، وكان معنا شعراء عرب من مصر، والعراق، وسوريا.
* ذكرت أنك منذ سنوات قدمت أمسية شعرية بمنطقة نجران شاطرك به الشاعر حسن الزهراني ما الذكريات التي لا تزال تذكرها إلى اليوم؟
- شاركت بدعوة كريمة من نادي نجران الأدبي قدمت أمسية أنا والصديق الشاعر الكبير والجميل الأستاذ حسن الزهراني وكانت أمسية جميلة قضينا يومين بنجران الجمال ـ نجران الأصالة ـ نجران الرجولة ـ نجران الطيب، والكرم فكانت أول ليلة بصحبة النادي الأدبي وفي اليوم الثاني كان معنا الدكتور ناجي آل سعد، وكان عضو المجلس البلدي وأحد أعيان مدينة نجران البارزين صحبنا النادي في جولة على نواحي نجران، وكانت الزيارة الوحيدة لها وكنت ومازلت أتمنى أن أكرر الزيارة لها فنجران جميلة، وجميلة جداً فكانت مدينة ناهضة تنبئ عن مستقبل حضاري رائع. وقفنا على الأخدود ووقفنا على أعماق التاريخ، أذكر أني كتبت أبياتا في نجران أذكر مطلعها: (لا لست نجراً وإنما نجراني) بمعنى أنها ثنائية، وليست واحدة ونجران مما يميزها هذا الانفتاح، والتنوع الحياتي فيها هذا التنوع يجعل للذاكرة والنفسية النجرانية انفتاحا على الآخر منذُ القدم، كانت هناك العديد من الديانات، والعديد من الحضارات. نجران منطقة ضاربة في أعماق التاريخ وأعتقد أنهامهمة جداً لها قيمة حضارية كبيرة لنا في المملكة العربية السعودية بما تمثله من عمق تاريخي، وبما تمثله الآن من حاضر مشرق بإذن الله لكونك ضمن الشعراء المشاركين في مهرجان الشعر الافتراضي الثالث بنادي الباحة قراءتك لذلك المشهد؟
أولا لا بد أن نشكر نادي الباحة الأدبي على هذه المبادرة غير المستغربة وأنا أقول غير مستغربة لأن الحقيقة نادي الباحة يتميز بوجود مجموعة أخلصت للأدب والثقافة منصهرة مع بعضها بعضا في بوتقة الجمال، والإبداع بقيادة الشاعر الأستاذ حسن الزهراني. هذه المجموعة تتبعت منذ سنوات نجاحاتها فكانت تنتقل من نجاح إلى نجاح فانتقلت من ملتقى في الرواية إلى ملتقى آخر للقصة إلى ملتقى في الشعر العربي وها هي الآن تقيم مهرجان «إلا رسول الله» قيمة هذا المهرجان أنه يعطي أبعاداً للفكر الذي يجب أن نتعامل بهِ مع الهجمات على النبي -صلى الله عليه وسلم- يجب علينا جميعا أن نسعى لإظهار جوانب العظمة والسمو والمزايا التي يتمتع بها الرسول- صلى الله عليه وسلم- والتي نقلت المجتمع في أقل من عقدين من الزمن من حال إلى حال من جاهلية إلى إسلام لتنطلق الإمبراطورية الإسلامية بعد ذلك- بفضل الله-، ثم بفضل هذه الدعوة عندما يشتم أو يسب إنسان ما غير مسلم الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو الإسلام هو لا يسيء للنبي- صلى الله عليه وسلم- لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم كُرم- من قبل الله سبحانه وتعالى، وكرم في القرآن ولهُ المقام المحمود لكن الإساءة ستعيد إليه، ويجب أن نتوقف عن شتمهِ وسبابهِ ووصفه بالألفاظ الشنيعة، لأن ذلك أولا ليس من تعاليم نبي الهدى، والرحمة ثانياً ليس بعد الكفر ذنب. فلن نضيف جديداً إن كان كافراً ما الذي سيعنيه بعد ذلك إن قلنا إنك مجرم أو غيرها من عبارات.
* الشعر هو الوطن أم أن الوطن هو الشعر؟
- هما ثنائيان لا يقبلان الانفصال أبداً، فلن تعرف معنى أو قيمة للوطن ما لم تشعر به نبضاً في العروق، ولن تعرف معنى للشعر ما لم يكن لهُ موطن تستوطنه بروحك وبقلبك وبكل أحاسيسك الشعر والوطن ثنائية تستعصي على الفراق الوطن هو أعظم وأجمل قصيدة يمكن أن يكتبها الإنسان الشعور بالانتماء شعور عظيم والشعر ذاته. لم نخترأن نكون شعراء، قدرنا أن نكون شعراء فلذا فالشعر هو الوطن هوالملاذ عند المحن والأزمات التي تستوعب جراحات الشعراء همومه آلامهم أحاسيسهم المختلفة نبضهم المشتعل بحرفة القصيدة يبحث عن فرجة ضوء يعبر بها عما يمر به من مواقف عاطفية متنوعة ـ الشعر وطن والوطن أعظم شعر
* إذا كان الشاعر الرحل الثبيتي مدرسة وغازي القصيبي مدرسة والسنوسي مدرسة فبماذا خرجت من تلك المدارس؟
- الذي خرجت به من هذه المدارس هو أن تكون أنت بذاتك لا كما يريد النقاد ولا كما يريد بعض الشعراء أن تكون مخلصا للقصيدة صادحا بها، كما تأتيك هذا لا يعني أن تقف بمعزل عن التطوير، وعن التجديد وعن الأخذ بتجارب الآخرين قراءة، واستلهاما، واستهلاكا ثم إعادة إنتاج وإنما يعني أن تكون في كل أحوال القصيدة مخلصا لها كما تراها، وكما تكتبها بروحك أنت لا بروح غيرك.
* ما رأيك في مبادرة «إلا رسول الله» من قبل نادي الباحة؟
- كما ذكرت في معرض السؤال الخامس المبادرة هي رائعة وتنم عن انتماء حقيقي وولاء لرسول- صلى الله عليه وسلم- .هي مبادرة استطاعت أن توحد القلوب في مهرجان، وتظاهرة حب عظيم من شتى أنحاء الوطن العربي، استطاعت أن تعبر بشكل حضاري عن حب الرسول- صلى عليه وسلم- وعن مزاياه وأن تقدم احتجاجا راقياً عن تلك الإساءات على النبي- صلى الله عليه وسلم- بأن تنحاز للنبي- صلى الله عليه وسلم- دون أن يعنينا الآخر، وماذا يكون ـ ما يعنينا هو نبينا -صلى الله عليه وسلم- ونهجه العظيم الذي جاء به، وسنته التي يجب أن نحتذي بها.
* قبل الختام ألا ترى أن مشاركة وحضور الشاعرة ضعيف؟
- لا أرى أن حضور المرأة ضعيف أو شعرها ضعيف وإنما أو ربما محدودية الفرص والحضور للمرأة.
لدينا أصوات شعرية نسائية متميزة مثل الشاعرة القديرة أشجان هندي، وكذلك الشاعرة بديعة كشغري لديها تجربة مختلفة وكذلك الدكتورة الشاعرة هند المطيري مجموعة من الأسماء الشعرية التي بدأت تأخذ حيزا ومساحة جيدة، وربما كان هذا الحضور المتأني للمرأة شعريًا وأدبيا بأثر من طبيعة الحياة الاجتماعية التي كانت تحكمنا، التي تغيرت كثيرا في الآونة الأخيرة. أتوقع أن تكون المرأة أكثر فعالية وأكثر حضورا وأكثر إنتاجا شعريا في قادم الأيام.
مسك الختام نوافذ مفتوحة لكً نثراً أو شعراً فاذكر ما شئت؟
شعرا إذاً (قصيدة حنين)
ويعيدني بعض الحنين يعيدني
لهناءة الأيام صفو سنيني
لحياتنا البيضاء دون قضية
تسطو فتفرض قبضة التلقين
لغة الكلام على البداءة سوقها
غضب وصفو دون أي ضغين
وطموحنا يوم الهناءة يومنا
وقناعة كقناعة المسكين
ضحكاتنا ملء المجالس صوتها
شدو اللقاء بروعة التلحين
ويعطر الطرقات نبض شقاوة
والذكريات على جدار الطين
نغفو ودفء الآمنين يضمنا
لو عضنا جوع على التطمين
بقناعة السعداء نبدأ يومنا
كالأثرياء.. منى بحسن ظنون
فلقد شربنا في بداية نشأة
خلقا ليملانا بخير يقين
لله ما أحلى الطفولة ملعبا
وبراءة في أنفس وعيون