عبدالمحسن بن علي المطلق
بالأمس عاد متأخراً فقد عثر قرب إحدى الشجيرات الكثيفة بحديقة غالباً مهجورة/
على رزم من المال لا يعرف كم الرزم، فضلاً عمَّا بداخلها.
عاد وبعد أن دخل حارته في آخر الليل متوجساً أن يطلع أحد على ما بين يديه، وما إن دخل بيته الصغير غرفة ومنافعها- فقط- رتب تلك الرزم، وضع فراشه فوقها، وما إن وضع رأسه على السقف إلا وأخذه النوم فقد كان اليوم طويلاً ثقيلاً خفف ما عثر عليه من خواتيمه.
نااام بعمق، فقد كان قارب الصبح أن يشقّ عن كوّة من نور تتسلل لبيته
طال به المنام فلم يفق إلا والظلام قاب قوسين من المكان، لأن الحارة وهو المعتاد على زحام منازلها قلما يبصر بها المتابع مغيب الشمس..
نهض وهو يتلمس ما حوله.. من بعد أن أخذه النوم، فالمساء قد خيّم، والكهرباء مفصولة!
... يقوم بتثاقل متلمّساً -و بالتأكيد -أول وهلة الكنز الذي تحت فراشه ليس فقط ليطمأن، بل وليتأكّد، لأن ما حدث معه بالأمس هو للحلم أقرب!
وبعدها لبس ما مسكت يداه فالليل حالك، بخاصة وهو في حي صغير والأنفس فيه كثيرة.
يخرج للشارع فإذا بعض أعمدة النور ليها بقايا نور، يسلك طريقاً إلى مقهى قريب يذكر أن فيه مولّد احتياط فأهل الحي بالذات الشباب يتقاطرون إليه.
وجد هناك بعض الصحبة فإذا غالب حديثهم يدور حول الكهرب و..
جاراهم شيئاً قليلاً أحس بالملل فعاد لمنزله وفي الطريق أخذ من البقال شمعات على أمل يسددها مع حساب متراكم (لا زال لم يغير نمط معيشته.. مخافة الأعين تحيط به كالنطاق ، فهم- حارته- يعرفونه أباً عن جد لا عمل ممكن يمده بمال وفير ولا إرث بانتظاره (بعد وفاة أبيه قبل سنة) ولا ...
دخل بيته وركّز الشمعات بما يسيّر هذه الفترة، لعل الكهرباء تعود..
تململ أخرى فنهض ولبس البدلة التي شهدت تدشينه لتلكم الرزم- المالية- ، ثم لبس فوقها بعض ما يسترها من معتاد ملابس ما عهد عنه.
وركب من أمام المقهى الباص حتى تقصّد أن يغيب بين زحام الباص.
ومن أول محطة تالية نزل ونفض عن ملابسه بعد أن خلع ظاهرها ليودعها بكيس على أمل يلبسها إن قرب من الحارة حال عودته.
وأخذ تكسي ولأقرب فندق متوسّط بالبلد أخذ غرفة وبعد أن ريّح بها قليلاً نزل وتعشى بمطعم الفندق فوق المتوسط درجته.
عاد للغرفة وبعد أن اتكأ على أريكة ممتدة وفتح التلفاز قليلاً تركه بعد أن أخمد الصوت ونظر للسقف ثم سرح مفكراً كيف يضع قصة محبوكة ليس للمال، ولكن إن ظهر عليه منه بوادر (.. إذ بالتأكيد لن يمضي فترة طويلة على هذا المنوال، وإن كان الجواب الحتمي أنه (إن خالف ما عُهد عنه وقع تحت أعين الريبة) وأهل الأحياء الصغيرة إن وجدت بينهم من يمسك سرّك فبالتأكيد قبض (من كرمك) إن لم يكن جبراً ثمن صمته!
وضع بعض التخيلات وأمسى يتداولها بينه وبين نفسه ليرى هل تمشي هذه أم تلك وأيها أقرب أن تُبلع لكنه بقي كل مرة يصطدم مع بعض تعليلات قد يسوقها لكن بلا طائل نجاح يحالفها لكن قرر أن يقول لهم مثل ما حدث لزميلهم عمار (وجد شغلاً خارج البلاد) اغتراب - ، وسوف (مثله) يجرّب.. فيما قصده الخفي أن يسافر فترة وعند عودته لن يعود للحارة، ثم وضع تصريفة متممة أنه إن صادف أحداً من رهط حارته أو معارفه أخبره أن لصاحب العمل له ببلده بعض أعمال ها هنا، فأتى به مصطحباً .. كـ( دليل).. له.
وبالفعل بدأ اولى خططه تلكم من أول ما التقى بأصحابه ليخبرهم عمّا عزم عليه .. معللاً أن ضيق الفرص ووهن الرواتب دعاه أن يفكر بما صنع صديقهم بالحارة «عمار».. ، ثم يسترسل بـ
وأملي كيبر أن أنجح
قال بهذه، فتضاحكوا ثم أطرق فما رفع رأسه إلا وقريب من عمار يزيح لثام ما دعاهم للضحك ..تأوّه بـ
آه لو تعرف ما وجده، وكم يعض أصابع الندم ...و..؟!
لم يدعه يتمم بل عقّب طيب يا ليت تخبره أن الحارة لا يزال الكهرب يتقطع وزحام البصات على أشدّه، والرواتب (إن وُجد العمل) لا تسمن ولا تغني من جوع! عدا من يفكر بالتأهل و...
وبعدها تركهم وهم يتخافتون بصواب ما قاله، وغير عابئين بندم صاحبهم، فالمحكاة تختلف عن..
وبعد هذه المقررات التي يحفظها كل شباب حارتهم والحارات المجاورة أيضاً
فيما لم يلتفت كثيراً ولا قليلاً، لأي تعبيب قد يتزهّل به من يبيعون بالسوق حب الأرض و...، إذ اتجهت بوصلته لهذا الخيار عمدا ...، فيما دوافعه، بل قل حماسه لذلك الحل أن (وراء الأكمة ما وراءها)..
شدّ صاحبنا على المهاري حقائبه الطائرة
وماذا في تلكم- الحقائب- ما يغري!
لكن ليضبط التمثيلية التي تلبّسها منذ عثر على تلك «الصرر» و قد قال بنفسه: ستغطيني حتى ابن ابني،، ثم اتبع مقالته ضحكة هستيرية وهو يناظر بالمرآة ويسأل:
طيب، هو فين ابني بالأول؟!
ثم عاد وعقّب على سؤاله بأريحية وأنفاس من أعماقه يزفرها وهو ينظر للمال ثم يطبطب بيده عليه ويقول:
كل شيء بقريب (مكنياً عمّا في تلك الصرر)..
ثم وللأحلام منه نصيبها، فهو فوق أنه متلهف لما في الدنيا من رغبات و.. لكن عقله لا يزال عليه مهيمناً فلا يبدي أي تعجّل فضلاً عن حماقة قد توقعه من علياء الأماني التي يرجو عن قريب نوالها
رحل وهو يترك لديهم أوجاع فراق (رفيق) بعيد بين عمار ... وكأنهم وهم يلوحون له بالوداع يتساءلون ..تُرى:
من التالي الذي ستقصيه ظروفهم، فيحلّ به ما حلّ بصاحبيهم.. عن هذه الألفة والصحبة؟!