فيصل خالد الخديدي
في أحد النقاشات الفنية بين عدد من الفنانين كان الاستهجان كبيراً والانتقاد حاداً لأحد المراكز الخاصة التي تجمع عدداً من صالات العرض وتقيم بعض الأنشطة الفنية المتفاوتة المستوى، فمعظمهم يطالب بإغلاق مثل هذه المراكز ويسهب في سلبياتها وآخرون يرون أنه بالإمكان تطوير مثل هذه المراكز لتكون شيئاً رافداً للساحة التشكيلية المحلية وقلة منهم يرون أن بقاءها بحالتها الراهنة يفيد فئة من شباب التشكيليين ويقدم لهم المساعدة الممكنة التي تطور مستوياتهم.. مثل هذه النقاشات مفيدة وصحية وأثرها إيجابي في الساحة وممارسيها وتهذب الرأي العام وتوجهه لمناطق أكثر اتفاقاً، بل تعد وجه من أوجه النقد المجتمعي متى ما توسعت وتمنطقت بشكل أكثر منهجية وعلمية، ولكن التطرف فيها والإصرار على أحادية الرأي والحرص على توجيه الحوار والرأي لمنطقة واحدة لا تقبل التعدد والرأي الآخر يصنع نوعاً من القولبة التي لا تقبل إلا نمطية محددة ولا ترى إلا رؤية أحادية وما سواها لا يندرج ضمن قائمة الفن وتطويره.
إن النظر والتعامل مع الفن وقضاياه من خلال منظور أحادي لا يخدم الفن ولا الفنان ويُنمط المنجز الفني ويجعل منه قوالب متشابهة لا روح بها ولا إبداع، بل إن تنافس الفنانين مع بعضهم وحتى مع أنفسهم أصبح لا يتجاوز تحقيق نمطية معينة ولا يخرج عن قوالب معدة سلفاً يتم تكرارها بكثير من السطحية وانعدام الإبداع وروح التجديد فيها، ويساعد على ترسيخ القولبة في الممارسة الفنية ما تشهده الساحة من ممارسات بعض المقتنين والمسوقين ووضعهم لأطر ضيقة ومحددة أصبحت أشبه بالقوالب التي تصب فيها مواصفات الأعمال المطلوبة والأكثر تسويقاً وما سواها لا يدخل ضمن دائرة اهتمامهم ولا يصنف فناً بالنسبة لهم، وتعدى الأمر ذلك حتى وصل للمؤسسات الثقافية رغم اختلافها وتباين توجهاتها إلا أن قولبة نظرتها للفن والمنجز الفني جعل أسماء أو أعمال محددة تتصدر المشهد الفني وتتكرر ذات الأسماء أو الأعمال أو التوجهات رغم تباين المؤسسات واختلاف فئاتها التي يفترض بها خدمتها، إن اللجوء لمثل هذه القولبة الجاهزة المعدة سابقاً في النظرة والتعامل مع الفن ومنجزاته محلياً يعود من أسبابه إلى سرعة الاستعجال في إبراز النتائج والخدمات التي تقدمها المؤسسة ولو أنها ليست من صنيعتها، كما أن الاستسهال في دور البناء والبحث عن الأجدر والأقدر الذي يستحق أن يكون في مقدمة المشهد جعل البعض يلجأ للحلول الجاهزة والمشاريع الناضجة وتهميش ما يغيب عنهم ولو كان على قدر كبير من النضج.
إن الجهود الحثيثة التي تشهدها الساحة التشكيلية المحلية تستحق التقدير والاحترام والخطوات التي تبثها الفنون البصرية كبيرة وغير مسبوقة وهي أقدر على تجاوز ما يشوب الممارسة الحالية من أي شكل من أشكال القولبة والتنميط غير المجدي ولا مفيد لا للفن ولا لممارسيه.