د. فهد بن علي العليان
«غيَّب الموت أمس (الاثنين)، عضو مجلس الشورى السابق الأستاذ الدكتور جبريل حسن عريشي، إثر سكتة قلبية. ونعى مجلس الشورى الفقيد، مستذكرًا كثيرًا من الأعمال والجهود التي بذلها خلال عضويته في المجلس، إذ كان مثالاً للتفاني في خدمة الدين والوطن، وعمل عميداً للتطوير في جامعة الملك سعود، حقق كثيراً من الإنجازات، وكان -رحمه الله- باحثاً مميزًا وكاتباً قديرًا».
هكذا جاءت عبارات نعيه حين رحل عنَّا قبل عام تقريباً، ومنذ وفاته - رحمه الله - في 20 يوليو 2020م، فإنَّ خياله لم يفارق خاطري، بل كثيرًا ما أتذكره ويتردد صوته الهادئ في أذنيّ. وقد أحجمت زمناً عن الكتابة عنه لأن مقولة (د. إبراهيم التركي) الرائدة باقية في عقلي وقلبي، وذلك حين قال: «لماذا نؤجل بث آرائنا ومشاعرنا تجاه رموزنا العلمية والثقافية ثم نطلقها دفعة واحدة بعد وفاتهم؟ هل ليضيفها الورثة إلى التركة؟ ومتى يستبين من نحب الحب قبل فوات الوقت، وانطفاء الدرب؟». لكنني عزمت أن أقول بعض سطور مع أمنيتي أنني كتبتها في حياته ليقرأها وتهنأ نفسه بما يستحقه -رحمه الله. بدأت علاقتي به بعد عودتنا من البعثة عام 2001م، واشتراكنا في لقاءات ثقافية متنوعة بحكم التخصص الذي يجمع بيننا في كثير من جوانبه خاصة المتعلقة بجانب الكتب والمكتبات والقراءة والتشجيع عليها والمحاضرات والندوات المشتركة.
والدكتور جبريل بن حسن بن محمد العريشي حاصل على بكالوريوس في علم المعلومات من «جامعة الملك عبدالعزيز»، والدكتوراه في علم المعلومات، كلية علوم المعلومات، جامعة بيتسبيرح، الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001م، وكان عضوًا في «مجلس الشورى»، وعمل نائباً لرئيس «لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات»، بالإضافة إلى عمله مستشاراً ثقافياً بوكالة «وزارة الثقافة والإعلام» للشؤون الثقافية، كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات. وقد تنقل - رحمه الله - في جامعته في وظائف قيادية عدة قبل وبعد عمله في مجلس الشورى؛ مما يدل على تفانيه وحرصه وتواضعه ورغبته في خدمة المجتمع الأكاديمي والمشاركة في العملية التعليمية.
وأعود للحديث عن أخينا (د. جبريل) - رحمه الله -، ولأنني من المؤمنين بالكتابة عن الأشخاص في حياتهم وقبل وفاتهم، فإنني أشعر بغصة وحسرة وأمنية أن كانت هذه الحروف متقدمة في حضوره؛ ليأتيني بعدها تأنيب وتقريع منه كعادته في تواضعه وإنكار ذاته؛ حيث أجزم أنها – أي الحروف – لو كانت في أثناء حياته لتلقيت منه عتابا.
وَللهِ كم غادٍ حَبيبٍ وَرائحٍ
نُشَيِّعهُ لِلقَبرِ وَالدَمعُ يُسكَبُ
نَهيلُ عَليهِ التُربَ حَتّى كَأنَّهُ
عَدوٌّ وفي الأَحشاءِ نارٌ تَلَهَّبُ
يعرف كثيرون من زملائه وأقرانه الذين عاشوا معه واختلطوا به مدى ما كان يتمتع به من أخلاق رفيعة وهمة عالية وقلب نظيف، ومسابقة للشفاعة الحسنة لمن يطلب ذلك. وأذكر أن صديقنا المشترك الأستاذ (راشد الشعلان) حدثني عن مواقف لم ينسها للدكتور جبريل مع الأيتام في دهاليز معرض الكتاب، وعن مواقف في أواخر أيامه، وكلها تدل على نبله - رحمه الله - وحبه لمساعدة الآخرين وبذله ما في وسعه من أجل ذلك، والأكيد الذي أعرفه عن قرب أنه كان مهتماً بالكتاب والنشر وغرس ثقافة القراءة وذلك من خلال اللقاءات الثقافية والندوات التي كنا نلتقي فيها سويا في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وكذلك في مشاركاته في عدد من المحاضرات والندوات المتخصصة في هذا الشأن.
بقي أن أقول: إن أخانا (د. جبريل) - رحمه الله - رحل عنا وبقيت ذكراه الطيبة والحسنة، وهذا من الصفات التي يستبشر بها عباد الله الصالحون، ثم إننا - والله - لم ننسه، ولم ننس تواضعه ودماثة خلقه التي كنا نغبطه عليها، وهنا: نسأل الله له مغفرة ورحمة وعفوا ، والناس شهود الله في أرضه، والآخرة خير وأبقى.