ما علاقة الفن بالحرية؟ قد تحك رأسك وتنبش الذاكرة ولن تجد جواباً، أو «تنأى بنفسك» عن الجواب تحاشياً للصداع! فالإجابة على السؤال تتطلب معرفة ما هي الحرية؟ وما هو الفن؟
يُقال في الفلسفة «الحرية هي: وعي الضرورة»، فما معنى ذلك؟ ... تعالوا لنفكك هذا اللغز الفلسفي! فمفهوم الضرورة يفترض الالتزام؛ وهذا يبدو أنه مناف لمفهوم الحرية في الذهن؛ إذن كيف يمكن التوفيق بين المفهومين؟
التوفيق بين المفهومين المتناقضين يقودك بـ «الضرورة» للتطبيق العملي؛ فالأمر لا يتعلق بـ «الملاحظة» فقط؛ إنما بالتجربة! فلو افترضنا أنك ذهبت للغابة؛ ووجدت «إنساناً» يشبه الأسطورة «طرزان»؛ أي بدون لغة إلا أصوات الحيوانات؛ وبدون مفاهيم «إنسانية»؛ وقررت أنت نقله ليعيش في مجتمع. ولو افترضنا جدلاً أنك استطعت تعليمه جزءاً من اللغة - وهذا مستحيل علمياً - وأردت أن تفهمه معنى الحرية؛ فهل سيستوعب ما تقول؟
من المستحيل لنموذج مثل هذا الطرزان أن يفهم ما تقول! فمثل هذا النموذج المستحيل؛ هو ذاته؛ يعيش بـ «ضرورة» أخرى؛ اسمها شريعة الغاب؛ وهو لم يستعبد من «أحد»؛ كي يفهم؛ ما هي الحرية؟ إذن لا يمكن فهم الحرية إلا ضمن مجتمع ووجود «آخرين»!
الاعتراف بوجود الآخرين هو الذي يتطلب منك «لغة» و»مفاهيم» لأن لا وجود لك أنت بدونهم! وهنا يأتي دور مفهوم «الضرورة»؛ فأنت لا تستطيع العيش مع الآخرين بدون قوانين وأعراف! والقوانين والأعراف هي «ضرورة». ولكن التعريف الفلسفي للحرية هو «وعي» الضرورة، وليس «الالتزام» بها! كيف ذلك؟
نعم وعي الضرورة لا يلزمك بتطبيقها؛ إنما في هذه الحالة تصبح مخالفة «القانون» اسمها «جريمة»؛ ومخالفة العرف الاجتماعي؛ تسمى «سوء أخلاق»؛ وليست بأي حال؛ ممارسة لـ «الحرية»!
لا شك أنك ترفض بعض القوانين والأعراف. وقد تجد من يرفضها غيرك! ولكن أنت وغيرك لا يمكنكم تغييرها؛ إلا أن تصبحوا أنتم «الكثرة»؛ ومن يتمسك بها؛ هم «القلّة»؛ وهنا بالذات يأتي دور الفن! فالفن هو كيفية التوفيق بين «الالتزام» و»الوعي»!
ليس بالضرورة أن تكون أديباً؛ أو تشكيلياً؛ أو «موسيقياً»؛ كي تمارس الفن! فأنت كل يوم؛ بل كل ساعة ودقيقة؛ بـ «تعاملك»؛ مع ذاتك؛ ومع الآخرين؛ والأهم من التعامل؛ محاولة تطوير نفسك؛ ومجتمعك؛ وقوانينك؛ وأعرافك؛ تمارس الفن!
** **
- د. عادل العلي