بحث بعض النحويّين إضافة بعض الظروف إلى الجمل الاسميّة التي صدرها معرب نحو: حضرتُ المناسبة يوم عليٌّ حاضرٌ، والجمل الفعليّة التي صدرها إمّا فعل ماضٍ مبنيّ نحو: على حين عاتبتُ المشيب على الصبا(1)، أو فعل مضارع مبنيّ نحو: على حين يستصبيْنَ كلّ حليم(2)، ولكنّهم لم يبحثوا -بحسب اطّلاعي- إضافة بعض الظروف إلى الجمل الاسميّة التي صدرُها كلمة مبنيّة، وذلك أحدث حيرةً لديَّ في شأن الظروف المضافة إليها، أهي معربة فقط أم يجوز فيها الإعراب والبناء، وفي حالات الظروف التي تجوز إضافتها إلى الجمل يقول ابن مالك:
«وابنِ أو اعرب(3) ما كـ(إذ) قد أُجريا
واختر بنا متلوّ فعل بُنيا
وقبل فعل معرب أو مبتدا
أعرب ومن بنى فلن يُفنَّدا»(4).
ويشرح ابن عقيل (ت 749 هـ) هذه المسألة مقرّرًا «أنّ ما يضاف إلى الجملة جوازًا يجوز فيه الإعراب والبناء، سواء أضيف إلى جملة فعليّة صُدّرت بماضٍ، أو جملة فعليّة صُدّرت بمضارع، أو جملة اسميّة نحو: هذا يوم جاء زيد، ويوم يقوم عمرو، ويوم بكر قائم، وهذا مذهب الكوفيّين، وتبعهم الفارسيّ والمصنّف [ابن مالك]، لكنّ المختار فيما أضيف إلى جملة فعليّة صُدّرت بماضٍ البناء. وقد رُوِيَ بالبناء والإعراب قوله: على حين عاتبت المشيب على الصبا، بفتح نون (حين) على البناء، وكسرها على الإعراب. وما وقع بعد فعل معرب أو قبل مبتدأ فالمختار فيه الإعراب ويجوز البناء»(5). وبعد تقرير هذا الرأي النحويّ يَرِدُ على ذهني سؤال مفادُه: هل إضافة بعض الظروف إلى الجملة الاسميّة التي صدرها مبنيّ يُجيز لنا بناء الظرف وإعرابه حملًا للجمل الاسميّة على الجمل الفعليّة التي بُنِيَ صدرُها؟
ومن أمثلة هذه الظاهرة ما جاء في حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الذي رواه البخاريّ -رحمه الله- «حدّثنا محمّدُ بنُ بشّارٍ بندارٌ قال: حدّثنا يحيى عن عُبيد الله قال: حدّثني خُبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-قال: سبعةٌ يظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلّا ظلُّه...»(6) (الحديثَ)، ففي هذا الحديث أضيف الظرف (يوم) إلى جملة اسميّة صدرها مبنيّ مكوّن من كلمتين هما: (لا النافية للجنس) واسمها المفرد المبنيّ على الفتح (ظلَّ) في محلّ نصب، فهل يجوز أن نقول في إعراب (يوم) إنّه ظرف زمان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة، أو ظرف زمان مبنيّ على الفتح لإضافته إلى جملة مصدّرة بمبنيّ؟ بالنظر إلى ما قرّره بعض النحويّين فإنّ الوجهين جائزان في هذا المثال أيْ: الإعراب، والبناء على الفتح، وكان لحذف التنوين من أجل الإضافة من كلمة (يوم) ما يسوّغ التساؤل حول هذه الفتحة أهي فتحة إعراب أم فتحة بناء؟
والذي أميل إليه أنّ الظرف (يوم) في هذا الحديث وما شابهه يجوز نصبه على الأصل في المفعول فيه، ويجوز أيضًا بناؤه على الفتح؛ لأنّ صدر الجملة الاسميّة الواقعة مضافًا إليها مبنيّ، وهي جملة (لا ظلَّ إلّا ظلُّه)، فهذه الجملة مكوّنة من (لا النافية للجنس) وهي مبنيّة، واسمها المفرد المبنيّ على الفتح (ظلَّ)، وخبرها المحذوف، و(ظلُّه) البدل من الضمير المستتر في خبر لا المحذوف، وهاء الغَيْبة في محلّ جرّ مضاف إليه.
- - - - - - - - - - - -
الحواشي:
(1) الأنصاريّ، عبد الله جمال الدين بن يوسف: أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصريّة، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت، جـ3، ص133 .
(2) الأنصاريّ، عبد الله جمال الدين بن يوسف: أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، جـ3، ص135 .
(3) هكذا ورد فعل الأمر (أعرب) بهمزة الوصل في ألفيّة ابن مالك؛ ولعلّ في ذلك ضرورةً شعريّةً اقتضت وصلَ همزة القطع.
(4) الأندلسيّ، محمّد بن مالك، ألفيّة ابن مالك في النحو والتصريف المسمّاة الخلاصة في النحو، تحقيق: سليمان العيوني، دار المنهاج للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1428هـ، ص119، (البيتان: 401، 402).
(5) ابن عقيل، عبد الله: شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الطلائع، القاهرة، مصر، الطبعة الثانية، 2009م، جـ3، ص28، ص29 .
(6) البخاريّ، محمّد بن إسماعيل: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسننه وأيّامه، تحقيق: محمّد بن زهير الناصر، دار طوق النجاة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1422ه، جـ1، ص133 .
** **
- د. فهد بن عبد الله الخلف