أ.د.عثمان بن صالح العامر
الحياة كلَّها قرارات، تختلف هذه القرارات قوةً وضعفاً، تتباين حجماً وأثراً، ولكنها في النهاية ستنعكس على حياة صاحبها إيجاباً أو سلباً، ولذا كان من الكياسة والذكاء أن يضيف الواحد منا إلى عقله عقول غيره، فيستشير ويشاور خاصة عندما تكون خبرته في هذه الحياة قليلة، والمواقف الصعبة التي مرت به محدودة، وعلى وجه أخص حين يكون القرار الذي عقد العزم على اتخاذه قراراً مفصلياً سيؤثر في مستقبل حياته جزماً كالتخصص الأكاديمي أو الزواج أو الوظيفة أو شراء مسكن أو بيع أرض أو سفر أو ...، ومن الأخطاء التي نقع فيها جميعاً حين نقدم على هذه الخطوة - الاستشارة على المستوى الشخصي محل الحديث -:
* إننا قد نضع ثقتنا في عقل غير مؤهل لإعطاء الرأي الصائب في الموضوع الذي نريد الرأي فيه، سواء أكان ذلك بسبب قربه منا، أو صداقته لنا، أو التقدير والتبجيل الكبير لشخصه الكريم جراء منزلته الاجتماعية أو نتيجة وضعه الوظيفي.
* إننا نطيل فترة الاستشارة فنتأخر في اتخاذ القرار، وربما فقدنا الفرصة التي كانت سانحة لنا بسبب عجزنا عن التوصل إلى رأي نهائي جراء تباين آراء من استشرنا واختلافها بين مؤيد لما نحن مضمرون من قرار أو رافض.
* إننا نستشير من نظن أنه ناصح لنا ومحب، وهو في الحقيقة يكره الخير لنا ويحسدنا على ما نحن مقدمون عليه وإن أظهر خلاف ذلك، وأكثر ما يكون هذا الأمر بين الأتراب وزملاء المهنة ورفقاء الحياة.
* أن نستشير من يتعامل معنا تعاملاً عاطفياً صرفاً، ولا يلتفت لنداء العقل مطلقاً، بل ربما لا يصغي ألبتة لصوت العقل، ولا يجيد لغة خطابه، وهذا ربما ضرنا من حيث اعتقد النفع لنا.
* أن نستشير مشغولاً وليس لديه الوقت الكافي ليسبر أغوار الموضوع، ويجيل الفكر فيه، ويعمل العقل حياله، فهو يعطينا رأياً غير ممحص ودقيق، وإنما ما طرأ عليه لحظة الاستشارة، ولذا ما يذهب إليه في مشورته عرضة للخطأ لأي سبب من الأسباب.
* أن نستشير إنساناً سوداوياً قاتماً، رجلاً محبطاً، مساحة الأمل بالغد المشرق لديه صفر، فهذا سيكون رأيه وبالاً على من استشاره حتى لو لم يأخذ برأيه الذي باح به، على الأقل سيشوش على المستشير تفكيره، وإن كان من الفصحاء المتحدثين فلربما قاده للمهالك.
* كما لا نستشير المتفائل بلا سبب، والمثالي الموغل في تصوره للمدينة الفاضلة التي لا وجود لها إلا في ذهنه وذهن أمثاله، ولا الفيلسوف الذي يدخلنا في دوامة من الأسئلة التي لا تنتهي، ولا من لا يكتم سراً بل يفتخر في كل مجلس أنه هو من أشار علينا بكذا وكذا، فيعيرنا بما قال، وينتقص من قدرنا فيما يظن أنه منقصة عند الكل، ولا من يريد أن يجبرنا على الأخذ بما أشار لنا به، ولا صاحب الهوى، ولا المزاجي المتلون حسب المواقف والأشخاص، ولا غريب الأطوار والرغبات، ولا من لا يعرفنا حق المعرفة. ولذا لا يكفي أن نجري الاستشارة قبل أن نتخذ القرار المفصلي الذي يشغل بالنا، بل لا بد أن يكون من نستشيره أهلاً لذلك ويصدق النصح، وعنده رأي، ويملك الرؤية الاستشرافية الواعية والمدركة لطبيعة الأحداث قدر المستطاع، ولا يعني هذا ألاَّ نأخذ إلا برأي من نستشير بل لا بُدَّ أن تكون لنا رؤيتنا الخاصة التي تتعزز أو تهتز بما يصلنا ممن وضعنا الثقة بهم، كما أن من المهم ألاَّ نحقر رأي أحد فلربما كان الرأي الصائب والنصيحة الحقة من لسان إنسان بسيط أو طفل صغير، والأمر قبل هذا وذاك بيد الله فهو من يعلم ما ستؤول إليه الأمور ولذا شرعت صلاة الاستخارة. دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.