د. عبدالواحد الحميد
كلنا راحلون يوماً ما، لكن الرحيل المفاجئ لإنسانٍ تحمل له المحبة وتكتنز عنه في ذاكرتك صفحاتٍ من المواقف والذكريات الجميلة، يهزك من الأعماق! وقد رحل بشكل مفاجئ منذ أيام قليلة الصديق العزيز الدكتور صالح بن علي الحميدان المدير العام السابق لدار اليوم للصحافة بالمنطقة الشرقية والأمين العام الأسبق للغرفة التجارية بالشرقية، فوقع خبرُ رحيله كالصاعقة على رؤوس محبيه وعارفيه ليس رفضاً لقضاء الله وقدره، ولكن لأن الفراق الأبدي للأحبة يكون مريراً ومدوياً وحارقاً حين يباغتهم على حين غرة، فلم يكن أبو علي مريضاً - في ما نعلم - ولم يكن يشكو من عِلَّةٍ خطيرة بل كان يتدفق حيوية ونشاطاً كما عهدناه دوماً.
في هذا العيد الفائت (الفطر المبارك) اتصل بي من الدمام، محل إقامته، للتهنئة كما هي عادته في مبادراته العديدة التي مهما حاولت أن تسبقه فيها فإنه يسبقك، وتحدثنا طويلاً، وشكونا من هذا الزمن الموبوء بفيروس كورونا وما جلبه من تداعيات حجبت الناس عن بعضهم بعضا وأوقفت الزيارات وعطلت الأسفار فلم نعد نلتقي كما كنا نفعل من قبل حين يأتي إلى الرياض أو حينما أزور الشرقية، وكان آخر لقاءاتنا حين زار الرياض قبل حلول الجائحة، وهي مدة طويلة بين صديقين جمعت بينهما دروب الحياة منذ أمد بعيد.
لم أكن أعرف أن تلك المكالمة كانت وداعية، وأنها ستكون الختام الحزين الذي سيبقى عالقاً في الذاكرة!
عرفت الدكتور صالح عندما كان مساعداً للأمين العام لغرفة الشرقية ثم بعد أن أصبح أميناً عاماً، وعملنا معاً في تلك لفترة على تطوير مجلة الاقتصاد الشهرية التي تصدرها الغرفة وإنشاء مجلة جديدة شهرية هي مجلة Saudi Commerce and Economic Review. كان الدكتور صالح مهتماً بجمع المعلومة الاقتصادية وبنشرها، وكان متابعاً للتقنيات المعلوماتية التي بدأ توظيفها يتزايد في تلك الحقبة، فعمل على مَنْهَجَة أنشطة وأعمال الغرفة بحيث تتماشى مع الثورة المعلوماتية، وكان خبيراً بالاشتراطات التي يجب توفيرها للغرفة كي تنجح في ذلك، مستمِداً من تأهيله الدراسي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المعرفةَ العلمية ومن ممارسته العمل في القطاع الخاص الخبرةَ الإدارية اللازمة، كما اهتم كثيراً بتدريب الكوادر البشرية من خلال إيمانه بأهمية الموارد البشرية.
وعندما غادر الدكتور صالح الحميدان العمل في غرفة الشرقية، وبدأ عمله الجديد في دار اليوم للصحافة كمدير عام للدار، كان قد حقق الكثير من الإنجازات الكبيرة للغرفة، وهي إنجازات يتحدث عنها الناس حتى الآن وستبقى طويلاً في ذاكرة رجال الأعمال بالشرقية وبالمملكة.
وفي دار اليوم للصحافة واصل الدكتور صالح جهوده التطويرية فتحولت الدار من حال إلى حال، وبفضل تلك الجهود تحقق للدار الكثير من الاستقرار المالي القائم على فهم عميق لطبيعة العملية الاستثمارية في المؤسسات الإعلامية وضرورة التنويع في خلق عائدات مالية تخفف من المخاطر وتمتص الصدمات وهو ما تعرضت له المؤسسات الإعلامية في السنوات الأخيرة بعد التحول الهيكلي في العمل الإعلامي التقليدي. وقد استطاع الحميدان، بفضل طبيعته المُحِبة للتعلم وتطوير الذات، أن يخترق الجمعيات والاتحادات العالمية في مجال الطباعة والنشر ويتعلم منها ويستفيد من الخبرات المتراكمة فيها ويصبح فاعلاً في تلك الهيئات. كما أن اهتمامه بالموارد البشرية وعضويته في الوفود السعودية السنوية لمؤتمر العمل الدولي في جنيف ومؤتمر العمل العربي في القاهرة والعواصم العربية ممثلاً للقطاع الخاص السعودي مكَّناه من التعمق في معرفة آليات العمل في منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والقضايا المتعلقة بأسواق العمل والموارد البشرية وهو ما انعكس على إسهاماته في اللجان ذات العلاقة بهذه القضايا في الغرف التجارية السعودية وفي اللجان الرسمية وفي المنتديات العامة.
وفي حياته الخاصة وعلاقاته الإنسانية، عُرف الدكتور صالح بتعلقه الشديد بعائلته الصغيرة والكبيرة وحرصه على صلة الرحم، وكان وفياً لأصدقائه متواصلاً معهم، كريماً لا يسعده في علاقاته الاجتماعية شيء مثلما يسعده التئام شمل أصدقائه في مجلسه الذي كان بمثابة منتدى يتم فيه تطارح الأفكار والمناقشات كل أسبوع. أما في الأسفار فكان نعم الرفيق الذي لا تُمَلُ رفقته بل إن الكثير من خصاله الجميلة لا يكتشفها أصدقاؤه إلا في السفر ومنها الإيثار وتفقد أحوال الرفاق والكرم الذي لا حدود له.
أخيراً، فإن مما يخفف لوعة الفراق - ونحن نودع الراحل العزيز - هو ما تَكشَّف للبعض عن نشاطاته في الجمعيات الخيرية والأعمال التطوعية وهي قليل من كثير مما يعرفه بعض القريبين منه عن أعمال الإحسان التي دأب عليها. وقد رحل أبو علي ولقي وجه ربه ساجداً يصلي سنة ما قبل الفجر يوم الاثنين السادس والعشرين من شوال 1442هـ الموافق للسابع من يونيو 2021م. نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته.