د.بكري معتوق عساس
أَعزُّ مكانٍ في الدُّنا سَرْجُ سابحٍ
وخيرُ جليسٍ في الزَّمانِ كِتابُ
هكذا قالَ أبو الطيِّبِ المتنبِّي قبلَ أكثرَ مِنْ ألفِ سنةٍ، وما زالتِ الألسنةُ تكرِّرُ ما قالَهُ، آخذةً به، مُعيدةً لَهُ، مُثْنِيَةً عليه.
الكتابُ.. ذلكَ الصاحبُ الذي لا يُمَلُّ، والصديقُ الذي لا يُسأمُ، والروضةُ التي لا تَذْبُلُ أزهارُها، ولا تَسْكُتُ أطيارُهَا، والكنْزُ الذي لا يُنْقِصُهُ إِنفاق، ولا يُخشى عليه اللُّصُوصُ ولا السُّرَّاق.
ظلَّ الكتابُ على مرِّ تاريخِ الإنسانِ مستودعاً لأفكارِهِ، وناشراً لأسرارِهِ، يَسقيهِ العالمُ ويَسْقي هو المتعلِّمَ، يخلو به المرءُ فتُطْوَى له الأزمانُ، وتُطِلُّ عليهِ الدهورُ، وتناجيه العبرُ وتُشْجِيْهِ العِظَاتُ، وتَصْقُلُهُ التجارِبُ، وتُدْهشهُ العجائبُ.
ومِنْ هُنا كان (الكتابُ) سميرَ الباحثِ، وأنيسَ العالمِ، يحرصُ على اقتنائِهِ، ويبذُلُ الغاليَ والنفيسَ للحصولِ عليهِ، وكم في تراثِنا من صورٍ مشرقةٍ من هذا الحرصِ على الكتبِ، والجِدِّ في جمعِها. فقد قال فيلسوفٌ غربيٌّ وصَدَقَ: «لو تحطَّمَتْ كلُّ الآلاتِ الحديثةِ ومعاملُ الذرةِ وبقِيَتِ الكتب والمكتبات لتمكَّنَ رجالُ العصرِ من إعادةِ بناءِ هذهِ الحضارةِ الآليةِ والذريةِ، ولكن لو تحطمتِ الكتب والمكتبات فإنَّ عصرَ القُوى الآليةِ وعصرَ الذرةِ يصبحانِ شيئاً من آثارِ الماضي»!
وصدقَ الشاعرُ العربيُّ إذْ قال:
إنَّ بيتاً دُونَ كُتْبٍ
جسدٌ من غيرِ روحِ
ملأ اللهُ بيوتَنا أرواحاً.