الهادي التليلي
بنبرة الواثق طالعنا منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة ومسماها الحركة الإسلامية الجنوبية وهو يتحدث عن نجاح القائمة في إحداث اختراق مهم يمكن الكتلة العربية ومن بينهم عرب الحكم الإسرائيلي من مكاسب جد هامة، ثم أعقب هذا الحضور بتغريدة على صفحة التواصل الاجتماعي فيسبوك الخاصة به «نوقع اتفاقاً تاريخياً لدخول الائتلاف الحكومي يوفر حلولاً لمشاكل مجتمعنا العربي الحارقة في مقابل مكاسب وإنجازات هي الأضخم والأوسع لصالح مجتمعنا العربي وميزانيات ضخمة». للتاريخ آخر صفقة انتخابية بين الكتلة العربية في الكنيست والأحزاب الإسرائيلية كانت في سنة 1992 مع حكومة إسحاق رابين في ما أطلق عليه بحكومة السلام.
منصور عباس الذي يبشرنا بالنصر الكبير كانت ابتسامته العريضة في حجم مكاسبه وهو يظهر في صورة توقيع الاتفاق مع كل من زعيم التيار اليميني المتطرف نفتالي بينيت ورئيس المعارضة الوسطى بائير ليبيد ولعل سبب الابتسامة العريضة هو الوعد بالحصول على منصبي نائب رئيس الكنيست ورئاسة لجنة الداخلية البرلمانية في اتفاق يشمل كذلك وزير الدفاع الحالي بيني غانتس الذي قبل أقل من شهر كان يعطي أوامره بدك غزة بآلاف القنابل ومن مختلف الجهات برًا وبحرًا وجوًا، دماء ضحايا غزة مازالت لم تجف بعد وزعيم الإخوان في الداخل الإسرائيلي يوقع اتفاق شراكة حكومية يرى من خلاله أنه أحدث اختراقا مهما ستتحق من خلاله مكاسب ذكر من بينها عبارة الميزانيات الهامة والتي لم يفهم أحد موقعها من الإعراب.
المقربون من منصور عباس يرون في هذه الشراكة نصرًا كبيرًا على بنيامين نتنياهو وكسراً لشوكته لذلك لم يجد مبرراً للخوض في المسائل الهامة والتي من بينها قانون العمومية الذي تم إقراره في 2018 ويكرس دكتاتورية الطابع اليهودي على الدولة، بل ولم يطالبوا بضمانات تقي هذه الكتلة البرلمانية من التوظيف السياسي المؤدي إلى الذوبان وتمييع القضية في وضع تشير المعطيات الديمغرافية إلى أن عدد السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تحت الحكم المباشر الإسرائيلي مليون وأربعمائة ألف ساكن منحدرين من 160 ألف نسمة بقوا في أراضيهم بعد الاحتلال هذا الكم يمثل 17.5 بالمائة من عدد السكان أي أن لهم خزاناً انتخابياً مؤثراً، هذه الشراكة تناقضت مع الخطاب الإخواني المجرم شكلا ومضمونا للتطبيع مع القاتل خاصة ودماء غزة لم تجف بعد والسيد منصور يوقع مع وزير الدفاع الإسرائيلي ويضع معه اليد في اليد وحتى التبرير بأن الغاية هي دحر نتنياهو يعتبر من المراهقة السياسية لأن المشكلة ليست في شخص نتنياهو الذي هو في الحقيقة صنيعة الائتلاف الذي نصبه متى شاء وسعى لإقصائه وتشريك العرب الإخوانيين متى شاؤوا.
فلو نظرنا إلى أقطاب التحالف نجد أن كلهم كانوا يعملون مع نتنياهو ثم تقاطعت مصالحهم معه بل ورأوا أنه لم يعد رجل المرحلة وفي كل لحظة يمكن أن يتجدد الود إذا ما وجدت صفقة ما يستفيد منها كل الأطراف بينما المجموعة العربية التي ضحت زيادة على الخزان الديمغرافي الذي هو في صالحها بتعاطف عالمي مع الشعب الفلسطيني نتيجة ما حصل في الشيخ جراح من تهجير قصري وما تم استهداف من أحياء ومبان من مدينة غزة وإقحام المجموعة العربية في هذه الشراكة السياسية تدخل في ما يعبر عنه بالحرب الما بعد الهزيمة وقلب الهزيمة إلى نصر لأنه بعد هذه الشراكة بإمكان إسرائيل أن تقول لكل من ينادي بالحق الفلسطيني هذا شأن داخلي والتيار الإخواني ذاته منخرط معنا في المسار السياسي.
في الحقيقة بعد هزيمة إسرائيل الإعلامية وجد الإسرائيليون في منصور عباس كبشاً تصنع به انتصارها هذا الذي يراه عباس اختراقاً وهو في الحقيقة احتراق وذوبان في شأن سياسي زئبقي التفاصيل.