فائز بن موسى الحربي
سيظل اسم الفقيد الصحفي الإعلامي محمد بن إبراهيم العبَيِّد وصورته باقيتين في الذاكرة، كيف لا؟ وهو الزميل الذي عرفته في سنوات معهد عنيزة، ثم تحولت المعرفة إلى صداقة، بعد أن أصبح إعلامياً مرموقاً، مؤسساً ومديراً لمكتب جريدة الجزيرة في عنيزة لسنوات طويلة، جعل لجريدة الجزيرة وَهَجاً ومكانةً لا ينساها العنيزيون.
بدأ محمد العبَيِّد الكتابة مراسلاً لصحيفة الجزيرة، مهتماً بشؤون عنيزة، واحتياجاتها الخدماتية والتطويرية، وهو طالب على مقاعد الدراسة، ووقف قلمه على عنيزة وهمومها وإبراز إنجازاتها، والتعريف بأعلامها، لم يتوقف عن ذلك حتى بعد أن أصبح مديراً لمكتب الجريدة، ولم يتخل عن ذلك الهاجس حتى بعد أن تقاعد من العمل.
عرفت محمد العبَيِّد مسكوناً بحب عنيزة، لم يشغله عن ذلك شيء آخر، لكنه حب يزينه هدوء في الطرح، وعقلانية في النقاش، لا يشوب كتاباته تعصبٌ ممقوت، ولا يفسدها انفعالٌ ممجوج. كتب محمد مئات، بل ربما آلاف المراسلات الصحفية والمقالات والمطالبات والتحقيقات الخاصة بشؤون عنيزة، وأجزم أنها لو جمعت فستخرج في عدة مجلدات تحكي قصة المسيرة التطويرية في عنيزة على مدى نصف قرن.
قد لا يعرف جيل الشباب أن محمد العبَيِّد الشغوف بنشر أخبار عنيزة، كان يذهب مع سيارات الأجرة أو سيارته الخاصة لاحقاً إلى المجمعة ليأتي بالجريدة من هناك، إلى عنيزة قبل أن يوجد مكتب للجريدة في القصيم، ثم لم يلبث أن أسس مكتباً للجريدة وتولى إدارته والإشراف عليه لما يقارب 35 سنة. لم يكن محمد العبَيِّد مجرد مدير يؤدي ساعات عمله فحسب؛ بل كان شمعة تحترق لتضيء للآخرين. تدرب على يديه كثير من أبناء عنيزة، وانتقلوا إلى مطبوعات أخرى، ولم يكن ذلك يضايقه، ولم ينظر إلى أولئك الزملاء الذين تدربوا على يديه ثم انتقلوا إلى مطبوعات منافسة بشيء من الامتعاض أو الندية؛ بل كان يُسعده نجاحهم، وظلت علاقته بزملاء المهنة علاقة أخوية راقية، يسودها الود والاحترام الصادق. كان محباً للخير ومد يد المساعدة لذوي الحاجات الذين يراجعون مكتبه لرفع قضاياهم وطلباتهم إلى المسؤولين أو الجمعيات الخيرية؛ فكان يستقبلهم ببشاشة، ويتابع أمورهم ويساندهم، وهذا ما يشهد به زملاؤه الذين عرفوه عن كثب.
طالبت أكثر من مرة بتكريم محمد العبَيِّد في حياته تكريماً يليق بما بذله من جهد إعلامي لمدينته.. وطالبته أكثر من مرة أن يجمع ما كتبه عن عنيزة في كتاب، لكن المنية كانت أسرع من تحقيق الأماني.. فهل يتحقق ذلك بعد رحيله، حتى وإن كان يحز في النفس قول الشاعر:
«إذا مت ظمآناً فلا نزل القطرُ»
ولعل القطر الذي لم يدركه في حياته يسقي ثراه، ويخلّد ذكراه!
أجزم أن كثيرين يتفقون معي أن إطلاق اسمه على معلم من معالم عنيزة، أو شارع من شوارعها، أو إنشاء وقف خيري باسمه، ليس كثيراً في حق من أمضى عمره منافحاً عن مدينته، وسخر قلمه على مدى نصف قرن في متابعة قضاياها.. كما أجزم أن أهل عنيزة كرماء أماجد لا يغيب عنهم ذلك..
رحمك الله يا أبا إبراهيم، وجعل جنة الخلد مثواك.