تُعتبر الأزمةُ اللحظةَ الفاصلة والمرحلة الفارقة في حياة كلّ قائد حقيقي، لأنها تستفزّه لكي يَعرف نفسَه حَقّ المعرفة، ويفهم نفسه حق الفهم، ويستطلع المستقبلَ مستخدماً بوصلته الداخلية، كونها الأداة المُثلى للإبحار في عالم متقلّب ومضطرب.
ففي الوقت الذي صَمد فيه بعضُ القادة أمام الأزمات، أسقطت أمواجُها العديدَ منهم ومؤسساتهم، ففي وجه الأزمة يَنجح بعض القادة في اجتياز اختبار المهارات، بل وتَقوَى لديهم روحُ المبادرة، وتتعمّق فيهم النزعة القيادية.
وفيما يلي بعضُ الدروس والممارسات والتصوّرات، التي ساعدت الكثيرين، ويمكن أن تساعد أيَّ قائد على المواجهة والثبات، في ظلّ الأزمات:
1. مواجهة الواقع والاعتراف بالأخطاء
لن يستطيع القائدُ معالجة الأزمة ما لم يُدرك أولاً أنه أمام موقف عصيب، وأنه كان سبباً محتملاً فيه، وهذا لن يتمّ إلا إذا واجه الواقع، ومواجهة الواقع تبدأ باعترافه بمسؤوليته في نشوء الأزمة، ثم توجيه مؤسسته لمواجهة هذا الواقع.
2. إلقاء الهموم ومشاركتها
مع الآخرين
لا شكّ أن القائد لن يستطيع حَلّ جميع المشكلات بمفرده، لذا ينبغي عليه الاستعانة بالآخرين من داخل المؤسسة أو من حياته الشخصية، ليشاركوه همومه، ويُساعدوه في تخطّي الأزمة، وهي فرصة لا ينبغي أن يُفوّتها لتقوية علاقاته بأفراد فريقه، لأن أقوى الروابط وأوطد العلاقات هي التي تتشكل في أوقات الأزمات.
3. البحث عن جذور المشكلة
إن سعي القائد للبحث عن حَلّ سريع للمشكلة، سَيُقلّل من عُمقها وتأثيرها، ومن خطورة الأسباب وتداعيات المتغيرات التي أدّت إلى نشوئها، كما أن إحاطة نفسه بأفراد لا يُطلِعُونَه إلا على الأنباء المفرحة، لن يُعزّز لديه إلا غرائزَه الفطرية في حَلّ المشكلات دون دراسة متعمّقة، وهذا يعني أن القائد يَتجنّب الخضوعَ للجراحة، ويحاول الاكتفاء بتضميد الجراح التي لابدّ وأن تَتقيّح في النهاية، أو أنه يُحاول التخلّص من الأعراض بالعلاج السريع، دون التعامل مع الأمراض.
4. الاستعداد لمعركة طويلة
في خضم الأزمات يَحسب بعض القادة أن الأزمة لن تطول، ويتوقعون عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي بسرعة، وأنّ كل ما عليهم فعله هو إجراء بعض التغييرات المؤقتة، مثل تقليل حجم الإنتاج لحين ارتفاع الطلب مجدداً، وبهذا يتعامل المديرون مع الظروف الصعبة مثلما يفعل البَحّارة في أعالي البحار، حين يختبئون حتى تَمُرّ العاصفة. ولكن ماذا لو استمرت العاصفةُ أطولَ بكثير مما يتوقعون؟ وماذا لو كان تغيير المسار كليةً هو الحَلّ؟
5. الاستفادة من كلّ أزماتك
نَصَح الفيلسوف الإيطالي «ماكيافيللي» في كتابه «الأمير» أتباعه قائلاً: «لا تُضِع الفُرَصَ التي تُتِيحها لك الأزمات»، وعلى الرغم من صعوبة تطبيق هذا المبدأ عندما يكون المرءُ غارقاً بالفعل في أزمةٍ ما، فلابُدّ من إدراك أن هذه الأزمة ليست إلا فُرصةً لفرض التغيير الشامل.
6. اتخاذ الاتجاه الصحيح
من بؤرة الحدث
ليس ضرورياً أن يكون القائدُ رجلَ سياسة أو نجماً مشهوراً كي يعتبره الناس شخصية عامة، فما دام يقود إحدى الشركات أو المؤسسات الخيرية، فستكون الأضواءُ مسلطةً عليه أيضاً، سواءً أَحَبّ ذلك أو كرهه، فراتبه الضخم تنشره الصحف، ومقولاته يقتبسها الكثيرون، والموظفون من حوله يحاولون معرفة ما يدور في رأسه، وفي واقع الأمر تُمَثّل وسائل الإعلام حالياً - بتنوّع مصادرها في الحصول على المعلومات - فرصةً وفخاً في آن واحد، فعندما تَظهر أزمة ما، يتم تضخيم كل ملابساتها مِئةَ ضِعف.
7. الهجوم خير وسيلة للدفاع والفوز
تُعتبر الأزمات فرصةً ذهبية قد لا تتوفر للقائد كثيراً لتصحيح الأوضاع، وعليه أن يَتحلّى بالشجاعة لاستغلالها.
وهناك سَبْعُ خطوات لإعادة توجيه القائد تركيزَ شركته نحو النجاح والفوز في خضم الأزمة، وهي:
- تحديث إستراتيجية التصنيع وتطويرها.
- التخلّص من نقاط الضعف.
- استغلال مَواطن القوة.
- القيام بالاستثمارات الضرورية خلال الأزمة.
- دعم كبار المديرين والموظفين المِحْوَرِيين ليركزوا على الفوز.
- تشكيل صورة ريادية وتنافسية للشركة في مجالها.
- وضع خطط تنفيذية حازمة.
وختاماً.. ينبغي على القائد الابتعاد عن القلق، والتركيز على التفكير الإبداعي، والإيمان بأنه لا يمكن حَلّ المشكلة إن لم تُحدَّد جذورُها ومُسبّباتُها، كما ينبغي أن يَجعل التفرّدَ والتميز هدفَه الأول والأوحد، وأن يُدرك أن الهجوم خيرُ وسيلةٍ للدفاع والفوز.