محمد سليمان العنقري
في عالم الثورة الرقمية والأجهزة الذكية، حيث بات يدار كثير من الأعمال والاتصال عبر تطبيقات طور أداءها الذكاء الاصطناعي وأصبح التعامل معها ضرورة ومن خلالها تتكون لدى الأفراد، بل المنشآت العامة والخاصة نوافذ على العالم الذي انطبق القول فيه إنه أصبح قرية صغيرة رغم حجم الكرة الأرضية الضخم وعدد سكانها الذي يقارب 7.8 مليار إنسان، فلم يعد اليوم الشرق بعيداً عن الغرب في العالم الافتراضي ولا الجنوب عن الشمال ويمكنك بجولة سريعة في هذه التطبيقات أن تتواصل مع كل سكان هذه الجهات ومعرفة ما يدور لديهم فالعالم أصبحت الثقافات فيه تعرض في منصة واحدة وباتت الحسابات على هذه التطبيقات بمثابة أصول رقمية لها قيمة بحسب عدد متابعيها فالاقتصاد المعرفي أصبح اليوم يقود العالم وشركاته لأعلى قيمة سوقية حالياً مزيحة الشركات الصناعية والخدمية التقليدية.
لكن اللافت هو مدى سطوة وتأثير هذه الشركات وانتقالها إلى التأثير في كافة قضايا العالم، بل الأهم تأثيرها داخل الدول ذاتها فعندما حجبت الصين موقع جوجل الشهير قبل أكثر من ستة أعوام تقريباً اتجهت وزيرة خارجية أمريكا هيلاري كلينتون حينها للصين لمناقشة قضايا كان من أهمها موضوع حظر جوجل أي أن هذه المواقع التكنولوجية أصبحت موجهاً للتحركات السياسية وجزءاً من المصالح التي تحرك دول عظمى لحمايتها، ولكن من العام الماضي بدأت هذه الشركات خصوصاً المختصة بالتواصل الاجتماعي تدخل ملعباً حساساً وخطراً هو السياسة بشكل واضح، فصحيح أنه كان لها دور في أن تكون حلبة التواصل ونشر أخبار وتوجيه شعوب في دول عمتها الفوضى تحديداً في الشرق الأوسط منذ عشرة أعوام، لكن ما حدث في الانتخابات الأمريكية في العام الماضي يعد مفصلياً في ارتفاع دور وتأثير هذه الشركات، فقد قامت تويتر بمواجهة نارية مع الرئيس ترمب الذي كان يعد حسابه في تويتر الذي يتابعه عشرات الملايين هو منبره الإعلاني بعد مقاطعة وهجوم شبه جماعي من أغلبية وسائل الإعلام الأمريكي التقليدي، فقد قامت تويتر بتعليق حسابه وحذف تغريدات له وعدلت في أنظمتها للنشر لتواجه ترمب، ثم قامت بإقفال حسابه مما حجبه عن ملايين المتابعين وحرمه من طريقة سهلة للتواصل معهم.
لكن قبل أيام قليلة ظهر خبر لافت وهو قيام فيسبوك الشركة الأشهر بوسائل التواصل الاجتماعي بتعليق حساب ترمب لمدة عامين، حيث كان التعليق لأجل غير مسمى، لكن مجلس الرقابة الخاص بالشركة له صفة شبه مستقلة عن إدارة الشركة أوصى بتحديد المدة والحقيقة عندما نقرأ خبر حذف حسابه من تويتر وتعليق فيسبوك لحسابه يبدو لنا أن هذه الشركات تطبق مفهوم الدول بإصدار الأحكام والعقوبات ولديها مجالس خاصة لذلك بمثابة محاكم وهو مؤشر خطير على دور هذه الشركات مستقبلاً في لعب دور الجسر الموصل لكل فرد مع العالم أنه في حال أرادت معاقبتك فإنك ستواجه إشكاليات كبيرة في إيصال ما تريد للمتابعين وللشريحة المستهدفة بيسر وسهولة، بل سيكون الأمر معقداً وصعباً لأن من يستخدم هذه المنصات أعداد ضخمة، ففي تقرير صدر مؤخراً باسم «ديجيتال2021» تصدرت فيسبوك مواقع شبكات التواصل الاجتماعي الـ17 الأشهر عالمياً، حيث بلغ عدد مستخدميها 2.8 مليار شخص يمثلون 36 في المائة من سكان العالم وجاء اليوتيوب ثانياً بنحو 2.3 مليار أي 29 في المائة من سكان العالم يليه الواتس اب المملوك لفيس بوك بعدد ملياري مستخدم أما تويتر فيستخدمه نحو 400 مليون أي أكبر من عدد سكان أمريكا، فهذه الأرقام الضخمة توضح مدى قوة تأثير هذه الرسائل وأنها الوسيلة الأكثر قدرة على الوصول بالمعلومة إلى شرائح واسعة ولذلك فإن حوكمتها الداخلية وانتقالها لمفهوم أشبه بإدارة الدول ينذر بأننا أمام عالم يتغير بسرعة مذهلة وبأدوات مؤثرة جديدة لكنها ذات فاعلية كبيرة في انعكاساتها.
شبكات التواصل الاجتماعي والشركات التكنولوجية أصبحت أسلحة ذات تأثير كبير ومدمر أحياناً ليس على الأفراد، بل على الدول وبمواجهتها لرئيس أقوى دولة في العالم عندما كان يشغل منصبه وبعد خسارته له يثبت أي نوع من الأدوار تتجه هذه الشركات عبر منصاتها لتلعبه ليس حالياً فقط، بل في المستقبل بحيث إنها مع الوقت ستصبح من أدوات معاقبة الأفراد والدول إذا ما تم حجب صوتهم في المكان الأوسع انتشاراً لأخبارهم ورسائلهم كما هو الحال أيضًا بمواقع الستور التابعة للشركات الكبرى التي تنتج الهواتف الذكية، حيث عند قيامها بحجب تطبيق رسمي لأي دولة فهي تحرمها من إيصال خدمات أو منصة لاستقبال معلومات ذات أهمية كبيرة بعمل الحكومات الإلكتروني، فنحن في عالم رقمي ومفاتيحه بيد هذه الشركات ذات القيم التريليونية بحجمها، ففيسبوك قيمتها تفوق 900 مليار دولار وتويتر ما يقارب 50 مليار دولار وهو ما يظهر أننا في عالم اختلفت معايير التأثير والقوة فيه بشكل جذري لا رجعة فيه.