عبدالوهاب الفايز
مرةً أخرى نقول: شكرًا للأعضاء في مجلس الشورى على تناولهم القضايا المحلية الحيوية التي تمس مصالح الناس، وهنا نشير إلى اهتمامهم بإثارة موضوع التسويق الزراعي بشقيه المحلي والخارجي. هذا الموضوع مطروح على موائدنا جميعًا، فمنذ عشرين عامًا كانت الصحف تتنافس لتبني ملف التسويق الزراعي، ومع كل وزير جديد يعين للزراعة تتسابق الصحف لتضع بين يديه رغبة الناس لأن يكون هذا الملف في قائمة الأولويات لوزارته.
والآن كأن الزمن لم يتقدم في هذا الملف.. فالأماني والمخاوف تتجدد، وسقف التطلعات يرتفع مجددًا بعد التقرير الذي بثته قناة (الإخبارية) الأسبوع الماضي عن بيع الخضار واللحوم في (حي البطحاء في الرياض)، فالتقرير جدد مخاوف الناس من ترك قطاع تسويق المنتجات الغذائية بدون (حلول رئيسية) تضمن كفاءة الأسواق والسيطرة عليها، وتوقف الهدر لثرواتنا الوطنية، وتحمي صحة الناس.
التسويق الزراعي يبدو أنه من الأمور التي تشتت الولاية عليه، ولن يتحقق إصلاحه إلا عبر عملية متكاملة تشترك فيها الجهات التشريعية مثل مجلسي الشورى والوزراء، والجهات التنفيذية المتعددة. وأحد المداخل الضرورية لمعالجة تسويق المنتجات الزراعية تبدأ من معالجة الأحياء العشوائية في مدننا. فهذه الأحياء حاضن مثالي لتجميع وتغليف وتوزيع المنتجات الزراعية، وغير خاضعة للسيطرة الرقابية وتشكل تحديًا كبيرًا للجهات الحكومية، والحل الأمثل لوضعها يتحقق بالإزالة التامة، كما فعلت الكثير من الدول.
تأخرنا في حل المشاكل الهيكلية المهددة للأمن الغذائي يعود لاعتقادنا أن جهة واحدة يمكنها حل مشكلة التسويق الزراعي. ثمة قضايا وطنية تُترك لفترات طويلة بدون تدخلات مرحلية أو استراتيجية، مما يؤدي إلى تراكم المشكلات ويُصعب الحلول السريعة. هذا التأخر يجعل الأجهزة الحكومية في الوقت الحالي تواجه تحديات رئيسية مثل مشكلة التسويق الزراعي.
ملف التسويق الزراعي، المهمل من الأجهزة الحكومية، يحتاج تدخل مجلس الشورى عبر دعوة الأطراف الضرورية إلى نقاش صريح في المجلس يهدف لبناء مبادرة وطنية تمكِّن من السيطرة على سلسلة الإمداد الوسط (التسويق). هذه الخطوة تجعل الناس تثق بقرب أعضاء المجلس من همومهم، وتتيح لولي الأمر معرفة الحلول الأساسية التي ترفع كفاءة مخرجات الزراعة، وتحمي مصالح أصحاب المزارع، وتضمن حماية صحة الناس، واستقرار الأسعار. وثمة خارطة طريق ومشروعات يطرحها المختصون منذ سنوات بعيدة، منها:
1ـ تنظيم القطاع عبر إنشاء شركات (استثمار اجتماعي) متخصصة تتملك أسواق المنتجات الزراعية والحيوانية. هذا النموذج الجديد للاستثمار الذي نجح وجُرب دوليًا سوف يُتيح إدخال (نماذج عمل) جديدة مثل نموذج الاستثمار الاجتماعي الذي يستهدف أولاً تحقيق الآثار الاجتماعية الإنسانية مثل معالجة المخاطر الصحية الإنسانية القائمة منها حماية صحة الناس من المنتجات الزراعية المشبعة بالمبيدات الرخيصة التي تطول فيها فترة التحريم (أي المدة الفاصلة بين الرش والقطف وغالبًا تصل عشرة أيام). هذه المبيدات الرخيصة يشيع استخدامها في الخضراوات والتمور!! أيضًا هذه الشركات تحل مشكلة ضعف القيمة المضافة للزراعة. والأهم تحقق الاستدامة المالية للشركات. هذا النموذج يعالج إشكالية هوامش الأرباح العالية التي لا يستفيد منها المزارع ويتضرر منها المستهلك، وتذهب لتكتلات العمالة التي تنشط مرتاحة تحت مظلة التستر التجاري!
2ـ تنشيط دور (الجمعيات التعاونية) و(الجمعيات الخيرية المتخصصة بالنشاط الزراعي) التي رُخص لها مؤخرًا في جميع مناطق المملكة. هذه الجمعيات التعاونية والخيرية يقوم عليها الآن نخبة من القيادات المحترفة الخبيرة بقضايا الأمن الغذائي. هؤلاء ثروة وطنية نتمنى أن يستفيد منها مجلسا الشورى والوزراء لمعالجة مشكلة التسويق الزراعي.
3ـ أيضًا نحتاج تفعيل (الجمعيات العلمية) المتخصصة لتقوم بأدوار مثل إعطاء التراخيص للزراعة العضوية، وهذا مهم بعد الإقبال عليها حتى لا يُخدع المستهلك ويتحمل تكاليف عالية لمنتجات مكذوبة وغير عضوية.
4ـ استقطاب وإدخال المواطن المستهلك كشريك رئيس في إدارة التغيير في هذا الملف عبر التركيز على التوعية المكثفة لإيضاح خطورة الهدر الغذائي، وربط ذلك بحساسية الوضع المائي لبلادنا، وأثره على ارتفاع تكاليف مدخلات الزراعة. الناس تعي وتفهم حساسية الأوضاع، وفيها العقلاء والحكماء من المؤثرين وقادة الرأي القادرين على التنوير والتوعية. من تجاربنا السابقة، المبادرات والقضايا الوطنية التي يتم تنوير الناس حولها ويشركون في حلولها.. عادة تجد القبول والتفاعل ويتم حلها أو الحد من مخاطرها.
5ـ لتحقيق مكتسبات سريعة بيدنا الاستفادة من الإقبال على البيع والتسويق عبر التطبيقات الرقمية. وهنا يأتي دور صندوق التنمية الزراعية لدعم الجمعيات التعاونية لتدخل بقوة في التسويق الزراعي.
هذه بعض الآراء والتصورات والمنى للدفع بموضوع التسويق الزراعي، إذا تحققت فهذا المطلوب، وإن أدركها التجاهل فتبقى مُنى.. أو كما قال الشاعر:
(مُنًى إِنْ تَكُنْ حَقًّا تَكُنْ أَحْسَنَ الْمُنَى
وَإِلَّا فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنًا رَغدَا)!