د.سالم الكتبي
من خلال استعراض قائمة مرشحي انتخابات الرئاسة الإيرانية المقرر إجراؤها منتصف شهر يونيو المقبل، يبدو أنها تضم أغلبية من المحسوبين على التيار المتشدد، حيث أيّد مجلس صيانة الدستور سبعة مرشحين غالبيتهم ينتمون للتيار ذاته، وبدا وكأنه يفسح الطريق تماماً لمرشح محدد فهل ينجح هذا السيناريو أم يتسبب في أزمة إضافية للنظام الذي يعاني أزمات أخرى عديدة!
استبعد مجلس صيانة الدستور مبكراً مرشح أساسي وهو علي لاريجاني المحسوب نظرياً على المحافظين أو المتشددين، ولكنه تعهد مراراً، في تحول فارق لأفكاره وقناعاته، بالمضي على خط سياسات الرئيس الحالي حسن روحاني، وهذا يعني أمرين مهمين أولهما ضعف قوة التيار المعروف بالإصلاحي وتراجع نفوذ قادته مقارنة بفترات سابقة، لدرجة أن المتشددين استبعدوا تماماً أهم رموز هذا التيار من ساحة المنافسة على ثاني أبرز منصب سياسي في النظام، وثانيهما أن المرشد الأعلى علي خامنئي لا يريد لشخصية «إصلاحية» قادرة على هزيمة مرشحه أن تخوض الانتخابات وأن تفسد خططه على هذا الصعيد، ورغم ذلك فإن التجارب السابقة تشير إلى امكانية حدوث مفاجآت بفوز مرشح آخر بخلاف المرشح الذي يدعمه المرشد كما حدث في الانتخابات الرئاسية عام 2013 حين انتخب روحاني على عكس إرادة ورغبة المرشد الذي دفع بمرشحين متشددين بارزين لمنافسته، ولكن حملات الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي نجحت في تعزيز فرص روحاني في مواجهة رغبة المتشددين، الأمر الذي دفع نظام الملالي هذه المرة إلى محاولة التخلص من أي مرشح يمثل تهديداً لفرص مرشح المرشد في الفوز بالانتخابات، و»هندسة» العملية بشكل أكثر دقة رغم ماقد ينطوي عليه ذلك من قرارات مثيرة للجدل مثلما حدث!
ورغم أن علي لاريجاني محسوب على التيار المتشدد فإن تقاربه مع الرئيس روحاني في السنوات الأخيرة ربما يفسر إلى حد كبير سر استبعاده، الذي يوحي بأن المرشد الأعلى خامنئي يرغب في حسم الأمر لمصلحة إبراهيم رئيسي هذه المرة، وعدم ترك الأمر للظروف في ظل الجدل المحتدم حول خلافة المرشد، حيث تشير التوقعات إلى أن رئيسي هو الأقرب لذلك.
وثمة ملاحظات أخرى على هامش هذه الانتخابات منها أن عدد المتقدمين للترشح للانتخابات الرئاسية قد تراجع بشكل لافت ومثير للتساؤل، فبينما شهدت انتخابات عام 2017 تقدم 1630 مرشحاً، فإن تقديم 592 مرشحاً فقط أوراقهم هذه المرة ربما يعكس الاستياء من «الفلترة» غير المقنعة التي يمارسها مجلس صيانة الدستور.
الحقيقة أن أكثر ما يقلق الملالي حالياً هو احتمال حدوث مقاطعة شعبية واسعة لهذه الانتخابات رداً على «الفلترة» الممنهجة التي شهدتها قائمة مرشحي الرئاسة الإيرانية، وبالتالي من الوارد أن يتسبب شبح الخوف من المقاطعة أو حدوث تظاهرات واحتجاجات شعبية كبيرة ضد قرار استبعاد أبرز مرشحي الانتخابات الرئاسية، يتسبب في اكتفاء الملالي بما تم وترك ساحة المنافسة الانتخابية تتفاعل بالشكل الذي يمكن أن يطفىء غضب الشارع الايراني، أو يسهم في امتصاص هذا الغضب واحتوائه، ولاسيما أن قرار مجلس صيانة الدستور قد أزعج حتى بعض أعضائه، حيث انتقد صادق أمولي لاريجاني، عضو المجلس وشقيق المرشح المستبعد علي لاريجاني، حيث اعتبر أن القرار «لا يمكن تبريره»، وأنه يعكس «تدخلا متزايدا للأجهزة الأمنية» في قرارات المجلس.الحقيقة أن الملالي يغامرون هذه المرة بشرعيتهم الانتخابية التي يعتمدون عليها كثيراً في مواجهة الضغوط الأمريكية، ولاسيما في ظل استمرار قبضة الهيمنة والقيود الشديد على الحريات ناهيك عن المتاعب والمعاناة الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها الشعب الإيراني، ولذا فإن المرشد قد تدخل هذه المرة بشكل غير مسبوق قبل أن تتوسع دعوات مقاطعة التصويت التي تشهد انتشاراً واسعاً ومتزايداً في الداخل الإيراني بحسب التقارير الإعلامية المنشورة، ورد على دعوة روحاني له بمراجعة قرار مجلس صيانة الدستور باستبعاد مرشحين محددين، حيث طالب خامنئي الشعب الإيراني بعدم الالتفات إلى «من يحاول وصم الانتخابات بأنها عديمة الفائدة»، داعياً إياهم للمشاركة بكثافة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
في ظل المؤشرات الراهنة، يصعب التكهن بفوز مرشح محدد من بين المرشحين السبعة وهم إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية، الذي يعد أكثرهم حظاً في الفوز بالانتخابات ما لم تحدث مفاجآت أو ينجح التيار الإصلاحي في قلب موازين القوى كما حدث عام 2013، وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي (متشدد)، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي (متشدد)، ورئيس مركز الأبحاث في البرلمان علي رضا زاكاني (متشدد)، ونائب رئيس البرلمان الإيراني أمير حسين قاضي زادة هاشمي (متشدد)، ومحافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي (إصلاحي)، ورئيس اتحاد رياضة «الزورخانة» وعضو مجلس إدارة منطقة كيش الاقتصادية الحرة محسن مهر علي زادة (إصلاحي).
الواضح -حتى الآن- أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة قد لا تأتي بمفاجآت إلا إذا استطاع التيار الإصلاحي استنفار الناخبين الإيرانيين من أجل اختيار أي مرشح على خلاف رغبة المرشد الأعلى، ولكن يبقى السيناريو الأسوأ بالنسبة لنظام الملالي وهو حدوث مقاطعة شعبية واسعة للانتخابات بما يفقد النظام شرعية يعتمد عليها تماماً في مواجهة الضغوط الغربية، والأمريكية تحديداً.