فضل بن سعد البوعينين
تعتبر الملاذات الآمنة من التحديات الكبرى المعرقلة لجهود محاربة الفساد، وهي وإن توفرت بغطاء ادعاء غياب المعلومة القانونية، إلا أنها لا تخلو من المصالح السياسية، الاستخباراتية، والمالية حيث يستخدم الغرب بعض الفاسدين كأداة للإضرار بدولهم، أو تجنيدهم استخباراتياً، أو استنزافهم مالياً. بل إن بعض الفاسدين الصادرة بحقهم أحكام قضائية، ما هم إلا أدوات استخباراتية جندتها بعض الأجهزة الغربية من أجل الإضرار بأوطانهم.
كشف الفساد المالي وإثباته دولياً من الأمور الميسرة، التي لا يمكن التشكيك في مخرجاتها القانونية خاصة إذا ما ارتبطت بتحويلات مالية دولية، وقيود مصرفية مترابطة، وحسابات في بنوك أجنبية متخمة بمئات الملايين من الدولارات، وأصول عقارية ومالية لا يمكن للعاملين في القطاع الحكومي أو موظفي القطاع الخاص شراؤها!.
المملكة في مقدم الدول الفاعلة في مكافحة الفساد، وتسعى جاهدة لتعزيز قيم النزاهة وتحويلها إلى ثقافة عامة يتشربها النشء ويتعامل بها العامة. إلا أن جهودها تحتاج دائماً إلى الدعم الدولي المكمل لجهودها الداخلية، خاصة وأنها من الدول المتضررة من وجود الملاذات الآمنة الحاضنة للفاسدين. فمحاربة الفساد العابر للحدود يتطلب تعاوناً دولياً لتضييق الخناق على الفاسدين، وحرمانهم من الفوز بغنيمتهم القذرة.
توفير ملاذات آمنة لمرتكبي جرائم الفساد في بعض الدول الغربية يضعف من قدرة الجهات الرقابية على استكمال جهود الضبط وتقديم الفاسدين للمحاكمة. كما أن استغلال ملفات الفساد التي تباشرها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، أو تلك التي تنظرها المحاكم الشرعية، لأهداف سياسية، استخباراتية، وإعلامية موجهة، يضر بجهود مكافحة الفساد ويعطي الفاسدين مظلة دولية تحميهم من الجرائم المالية والإدارية التي تورطوا فيها.
تقدمت المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين العام 2020م بمبادرة الرياض الهادفة لإنشاء منصة عالمية تربط بين أجهزة مكافحة الفساد حول العالم، وساهمت بـ 10 ملايين دولار لإنشاء الشبكة، ما يؤكد حرصها، وعزمها على معالجة التحديات التي تؤثر سلباً في جهود المكافحة، ومنها الملاذات الآمنة، ومتابعة قضايا الفساد العابرة للحدود. ومثلما حظيت المبادرة بتأييد قادة مجموعة العشرين، فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة الرياض لمكافحة الفساد دولياً (GlobE) في دورتها الاستثنائية للجمعية العامة المخصصة لمكافحة الفساد. الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، «أنطونيو غوتيريش»، ثمن دور المملكة في تأسيس شبكة عالمية لمكافحة الفساد خلال قمة العشرين، وأكد على أهميتها، وأن «الفساد عمل غير أخلاقي وجريمة خطيرة عابرة للحدود».
معالي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد الأستاذ مازن الكهموس، أشار إلى أن «المملكة تدرك بأن التغلب على تحديات جرائم الفساد العابرة للحدود يتطلب التعامل الوثيق بين سلطات إنفاذ القانون المعنية»، وشدد على أهمية تقديم الدعم اللازم لإنجاح هذه المبادرة ومتابعة تطويرها بما يخدم المصالح المشتركة لجميع الدول. أحسب أن تحقيق هذا الهدف كفيل بتضييق الخناق على الفاسدين ومنعهم من استغلال الملاذات الدولية الآمنة والاستمتاع بالأموال المنهوبة.
أشدد على أهمية تحقيق التعاون الأمثل بين سلطات إنفاذ القانون الدولية وبما يحقق التكامل المفضي إلى إنفاذ القانون، وضبط الفاسدين، وإعادة الأموال المنهوبة. يُعزى النجاح المحقق في مكافحة الإرهاب، وتمويله، وتجارة المخدرات إلى التعاون الدولي، والالتزام بتحقيق متطلبات المكافحة، كما أن الفشل في تحقيق النتائج الإيجابية إنما يعود لتقاعس بعض الجهات الدولية في تنفيذ إجراءات المكافحة الصارمة، إن كان عن قصد ولأهداف استخباراتية، أو عن جهل بأهمية المعلومات والإجراءات الواجب تنفيذها.
وضعت المملكة اليوم نواة التعاون الدولي لمكافحة الفساد، من خلال منصة عالمية تربط بين أجهزة مكافحة الفساد حول العالم، وتوفر قاعدة بيانات موثوقة ترفع الجهالة وتعزز المعرفة وتفضح الفاسدين وتوثق جرائمهم، وتبقى المراهنة على الالتزام الدولي بدعم المنصة، وتحقيق التعاون الأمثل في مكافحة الفساد، وضبط الأموال المنهوبة وإعادتها لخزينة الدول المتضررة، وبما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة وخلق بيئات تتمتع بالنزاهة والشفافية والالتزام بالأنظمة والقوانين.