م. خالد إبراهيم الحجي
إن صناديق التقاعد التي أسستها حكومة المملكة العربية السعودية، الأول: المؤسسة العامة للتقاعد التي تقتطع نسبة من رواتب الموظفين العاملين في الحكومة، والآخر: المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي تقتطع نسبة من رواتب الموظفين العاملين في القطاع الخاص، أثناء عملهم وحتى بلوغهم التقاعد النظامي أو سن التقاعد. لهما دور فعال في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال استثمار المبالغ المتراكمة لديهما في تأسيس البنوك السعودية، والمساهمة في رؤوس أموال الشركات البتروكيماوية، وشركات الاستثمار المتعدد، وإقامة المشاريع العقارية على أعلى المستويات التي تدفع عجلة التجارة والاقتصاد.. وقد اشتهرت المؤسستان، منذ تأسيسهما، بصرف رواتب المتقاعدين دون تأخير. وبحسب رؤوس الأموال التي يتم استثمارها من قبل المؤسستين، وبناءً على الربح الذي تحققه من عروض التجارة والاستثمار، يتم تحديد الوعاء الزكوي لهما، وعلى ضوء ذلك، يدفعون نصيبهم من الزكاة لهيئة الزكاة والضرائب والجمارك، التي تصرفها إلى المستحقين للزكاة، وفي مقدمتهم المواطنون المسجلون لدى الهيئة العامة للضمان الاجتماعي، وهكذا دواليك تقوم الهيئة بصرف رواتب شهرية لهم دون أدنى تأخير.. والتقاعد مرحلة عمرية متقدمة يبلغها جميع الموظفين.
ومن المعلوم أن التقدم في العمر يصاحبه صعوبات طبيعية تتطلب المزيد من الرعاية لكبار السن، وأهمها الرعاية الصحية، وهي عبارة عن مجموعة من الخدمات الصحية والتمريض تساعد العاجزين والمقعدين من كبار السن المتقاعدين الذين عندهم أوجه قصور تُعيقهم من رعاية أنفُسُهم بأنْفُسِهم لمدةٍ طويلةٍ. وهذه الرعاية الصحية يتم تقديمها من خلال مرافق خاص للرعاية السكنية للمتقاعدين من كبار السن أو المعاقين، ويشار إليها في بعض الأحيان باسم مرافق الرعاية طويل الأجل «لونج تيرم كير» للمتقاعدين المسنين الذين يقيمون في أماكن سكنية بدلاً من منازلهم أو منازل أسرهم.. ويُجمع المختصون في القطاع الصحي على أن الرعاية طويلة الأجل ليست من اختصاص المستشفيات، لذلك تحجم المستشفيات الحكومية عن توفيرها للمسنين الذين لا يحتاجون إلى علاج سريري أو جراحة وتنويم؛ لأنهم يرون - وهم على حق - أن تنويمهم في المستشفيات لتوفير خدمات التمريض، لمساعدة كبار السن في التغلب على الصعوبات الطبيعية المصاحبة لكبر السن، سيكون على حساب إشغال عدد من أسرَّة المستشفيات التي يجب أن تبقى شاغرة، لتنويم مرضى الحالات الحرجة، مثل: العمليات والكسور والولادة والحوادث والطوارئ وغيرها؛ لذلك لجأت بعض المستشفيات الحكومية إلى استئجار بعض الطوابق في بعض من المستشفيات الأهلية، لتوفير الرعاية طويلة الأجل للمتقاعدين المسنين، مع جدولة زيارة الطبيب المختص مرة واحدة في الأسبوع لمتابعة حالاتهم وإعادة صرف الأدوية اللازمة لهم.. واستئجار الطوابق في المستشفيات الأهلية حل مؤقت تتخذه بعض المستشفيات الحكومية في بعض مدن المملكة، لكنه سيعجز، في المستقبل عن مواجهة الطلب على الرعاية طويلة الأجل، نتيجة التزايد المتوقع في عدد المتقاعدين المسنين؛ إذ تشير إحصائية الأمم المتحدة إلى أن شريحة الشباب هي الأكبر بين الشرائح العمرية في السعودية، وتبلغ نسبتها 65% وتغطي الأعمار من 14 إلى 65 سنة، وكثير منهم سيصبح من المتقاعدين كنتيجة طبيعية لتقدم السن. ومع مرور الوقت تأتي مرحلة الكهولة ثم الشيخوخة وأمراضها: ومنها الغيبوبة والخرف، وبقاء بعض المرضى على قيد الحياة قد يتطلب تمريضاً مدرباً، وأجهزة مراقبة طبية، وأنابيب تغذية ووسائل إخراج الفضلات، وأكسجين وأسِرَّة طبية باهظة الثمن لا تستطيعها أسر وأقارب المتقاعدين المسنين، وهي فترة قد تمتد إلى سنوات عديدة وأزمنة مديدة حتى يلقى المتقاعد المن ربه.. وبناءً على ما سبق فإن الضرورة تقتضي وجود دُورٍ ومرافق متخصصة للرعاية طويلة الأجل في عموم أنحاء المملكة، بأعداد تتناسب مع التزايد المتوقع من مرضى الشيخوخة.. إن الرعاية طويلة الأجل تعد من حقوق المتقاعدين، إلا أن كلاً من المؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لا تقدمها.. ومما لا شك فيه أنه لا توجد لديهم أسباب قانونية تمنع من اعتبار خدمة الرعاية طويلة الأجل للمتقاعدين المسنين جزءاً من حقوقهم التقاعدية.
الخلاصة:
الرعاية طويلة الأجل أمر حيوي للتأكد من أن كبار السن قادرون على العيش حياة غنية ونشطة دائماً، بغض النظر عن مدى تغير احتياجاتهم الصحية مع مرور الوقت.