أ.د.عثمان بن صالح العامر
الإنسان - كما يقول ابن خلدون - مدني بطبعه، ولذا لا بد له من الاجتماع مع بني جنسه، وأي اجتماع حتى وإن كان قصيراً والمدة وجيزة فإنه يحتاج إلى قائد تنتهي إليه الأمور، وتكون لديه كلمة الفصل، وهذا ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الاجتماع القصير الوجز يحتاج إلى أمير، فمن باب أولى الاجتماع الطويل الدائم، ولذلك كان في كل مجتمع بشري عبر التاريخ صاحب قرار نهائي، بل إن الله عزّ وجل جعل القوامة للرجل ليكون هو ذلك القائد الذي ينتهي إليه الأمر داخل الكيان الأسري. وعليه فقد عرف الفقهاء السياسة الشرعية بأنها: (تدبير الشؤون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار، مما لا يتعدى حدود الشريعة وأصولها الكلية، وإن لم يتفق وأقوال الأئمة المجتهدين)، وقول (وإن لم يتفق وأقوال الأئمة المجتهدين) يدل دلالة واضحة على أن الأمر في النهاية مرجعه إلى الحاكم ولي الأمر. فالسياسة تجيز له فعل المصلحة المتوقعة والمتوخاة التي يعتقد أنها تحقق نفعاً عاماً للوطن وأهله، وإن لم يرد بخصوص هذه المصلحة دليل تفصيلي خاص، على أن يكون ما يتخذ من قرار متفق مع الأدلة العامة والقواعد الكلية ومقاصد الشريعة الإسلامية، ولا يتعارض مع نص صحيح صريح واضح في المسألة محل النظر. وخير مثال في العصر الحديث يمكن إيراده هنا، ما كان من حوار طويل ونقاش واسع استمر لسنوات حيال (قيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية) إذ جاء في الأمر السامي الكريم الصادر من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ما نصه: (... نشير إلى ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها.
كما نشير إلى ما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن قيادة المرأة للمركبة من أن الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأن مرئيات من تحفظ عليه تنصب على اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل ليقين ولا غلبة ظن، وأنهم لا يرون مانعاً من السماح لها بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي تلك الذرائع ولو كانت في نطاق الاحتمال المشكوك فيه.
ولكون الدولة هي - بعون الله - حارسة القيم الشرعية فإنها تعتبر المحافظة عليها ورعايتها في قائمة أولوياتها، سواء في هذا الأمر أو غيره، ولن تتوانى في اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته.
لذا، اعتمدوا تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة، على الذكور والإناث على حد سواء...).
وعلى ذلك تقاس كثير من الأوامر والقرارات والتوجيهات الصادرة من ولي الأمر أو من ينيب كل في مجاله، ومن ذلك ما صدر من معالي وزير الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ من مسألة قصر السماعات الخارجية في المساجد والجوامع على الأذان والإقامة، وجعل الصلاة بالسماعات الداخلية فقط.
وهذا يوجب علينا جميعاً أن نكون مع القرار الذي يتخذه ولي الأمر أو من ينيب من أمراء ووزراء ومسئولين، حرصاً على جمع الكلمة واتحاد الصف وعدم ايغار الصدور، وإثارة ضعاف النفوس الذين ربما كان ذلك سبباً للتعريض بولي الأمر، فضلاً عن أن يوظف مثل هذا الضجيج الذي لا مبرر له حيال ما اتخذ من قرار - رغبة في تحقيق المصالح ودرء المفاسد الواضحة في ذهنية معالي الوزير- من قبل أعداء الوطن والطابور الخامس والجماعات الإرهابية المتطرفة المندسين في صفنا الوطني في النيل من قيادتنا وحكامنا ورموزنا الوطنية، علاوة على ما في هذا القرار من مصالح عامة رآها صاحب القرار قد تكون غائبة عن البعض منا لأي سبب كان.
فلنكن على مستوى المسؤولية، ولنعي أمور شرعنا بعلم وروية، ولنفرق بين ما جاء فيه نص صريح وواضح وبين ما هو خاضع للاجتهاد ويختلف فيه الحال من زمن إلى آخر ومن مكان عن مكان، والذي مرجعه في النهاية لولي الأمر الذي في عنق كل منا بيعة له، حفظ الله بلادنا وحرس ديارنا وجمع كلمتنا ووفق ولاة أمرنا وعلماءنا وأمراءنا ووزراءنا وجنودنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.