فقدت الساحة الثقافية في روما، منذ أيام مترجمًا قديرًا من الإيطالية إلى العربية، الراحل عدنان علي، وذلك عن سنّ تناهز الرابعة والستين عامًا، رفد خلالها المكتبة العربية بسلسلة متنوعة من الأعمال. قدِم عدنان إلى إيطاليا في ريعان الشباب مطاردًا طيف الحرية والعيش الكريم ككثير من العراقيين. وقضى في ربوع إيطاليا ما يناهز الأربعة عقود، بين الترجمة والتدريس. كان الفقيد يزهو حين يحدِّثني عن أربيل ودهوك وحلبجة والسليمانية وتنشرح أسارير وجهه، وكان أكثر ما يثير شوقه إلى العراق سنوات الدراسة الجامعية في بغداد.
عهدت عدنان بشوشاً ضحوكاً، لم تبدِّل سنوات المنفى وهجران العراق من طبعه المرح، ذلك هو العراقي الكردي عدنان نجم الدين محمد علي (من مواليد «altamin» في الفاتح من يوليو 1957). فقد تعاملتُ مع جلّ المترجمين من الإيطالية إلى العربية، داخل إيطاليا وخارجها، في التصحيح والتحرير والتنقيح والترجمة، ولم أجد مترجماً منضبطاً في الوقت، ودقيقاً في القول، وحريصاً على إتقان عمل الترجمة مثل عدنان. كان طبعه المرح يخفي متانة علمية ودقّة معرفية. وكان الراحل من أوائل المترجمين الذين التفّوا حول «مشروع كلمة» للترجمة، ورفد المؤسسة بسلسلة من الأعمال منها: «الحياة اليومية في نهاية العالم القديم» لجورج رافينياني (2017)، ورواية «إن عانقتك فلا تخف» لفولفيو إرفاس (2016)، و»سوسيولوجيا الجسد» لباولا بورنيا (2014)، و»الواقعية الجديدة والنقد السينمائي» لغويدو أريستاركو ( 2011)، و»تاريخ الهجرات الدولية» لِباولا كورتي (2011). كما ترجمنا معاً كتاب «الإسلام الإيطالي.. رحلة في وقائع الديانة الثانية» لستيفانو أليافي (2010) فكان خير معين في الترجمة. ترجم عدنان كذلك كتبًا للأطفال والناشئة مثل «الأَسدُ آكِلُ الرُّسومِ» لبنيامينو سِيدوتي، و»رِحْلةٌ إلى المَجْهول» لكريستيانا فالنتيني وفيليب جوردانو، و»رجل الماء والنّافُورَة» لأوغو روزاتي وغابرييل باكيكو (2016) وهي جميعها منشورة لدى مشروع كلمة في أبوظبي.
فقدتُ سندًا وعونًا في الترجمة من الإيطالية، فقد كانت سرعته الفائقة ودقته المتناهية تفوق كلَّ تصوّر، كان يتعامل مع الحرف برشاقة. لقد بادل عدنان العربية حبّاً فبادلته امتثالاً وانسياباً، رحم الله عدنان وأسكنه فراديس جنانه.
** **
- عز الدين عناية