عبدالرحمن الحبيب
خلال فترة التعليم عن بعد التي قضاها العالم نتيجة جائحة كورونا، وجدت أقلية من الناس أن التعليم في المنزل أفضل، بحجة أن هذه الطريقة جلبت لأبنائهم سعادة أكثر منذ أن توقفوا عن قضاء أغلب أيامهم في الفصول الدراسية، ومكَّنت العائلة من الجلوس مع بعضها لفترة أطول، وصار الطلاب يتعلمون بسرعة أكبر مع مساعدة الوالدين.. هذا فتح باباً للجدل حول المقارنة بين نمطي التعليم..
تشير الاستطلاعات إلى نمو من يرغبون في التعليم عن بعد، سواء من الوالدين أو من الطلبة، رغم أنهم يشكلون أقلية ضئيلة مقارنة بمن يرغبون بالتعليم في المدرسة.. فما هي الأسباب؟ إذا كانت أسباب تفضيل التعليم في المدرسة واضحة للجميع كجودة التعليم وانضباطيته وتطوير مهارات التفاعل الاجتماعي والتحفيز الجماعي والاتصال غير اللفظي (لغة الجسد)، فما الذي يجعل قليلاً من الناس يفضلون الدراسة عن بعد؟
الخبير التعليمي عوض الشمراني ذكر أن التعليم عن بعد أصبح نموذجًا تعليميًا جديدًا في النظام التعليمي السعودي، موضحاً أنه لم يعد خيارًا ثانويًا بل أصبح شريكًا أساسيًا للتعليم التقليدي في المرحلة القادمة، وبخاصة بعد نجاح وزارة التعليم في إدارة العملية التعليمية في ظل جائحة كورونا.
في إنجلترا زاد عدد الأطفال المتعلمين في المنزل بنسبة 40 % إلى حوالي 75000 طالب في العام حتى أكتوبر 2020، مما يمثل أقل قليلاً من 1 % للأطفال في سن المدرسة ولكنه ضعف عدد الذين تلقوا تعليمهم بالمنزل قبل أربع سنوات (جمعية مديري خدمات الأطفال). أما في أمريكا فإن النسبة أعلى، حيث لم تفتح بعض المدارس مبانيها منذ مارس، فحوالي 7 % من الآباء الأمريكيين يدرسون رسميًا أطفالهم في المنزل، بزيادة 3 % في الربيع الماضي (مركز بيو للأبحاث).
لماذا هذه الزيادة ممن يفضلون الدراسة عن بعد؟ رغم أن الدراسات والاستطلاعات لا تزال قليلة لمعرفة ذلك، فثمة كفاية من الأبحاث عن الدراسة المنزلية قبل كورونا.. ففي الغرب، مثلاً، هناك أسباب دينية من المسيحيين المحافظين الذين يخشون أن تفسد المدارس العامة ذريتهم. كما أن هناك أسبابًا أخلاقية كالمخاوف بشأن المخدرات وغيرها من التأثيرات السيئة من أولئك الذين يعيشون قرب المدارس السيئة والذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المدارس الخاصة فيقررون أحيانًا اختيار التعليم المنزلي. هناك من يخشى العنصرية، كما تقول شيريل فيلدز سميث من جامعة جورجيا التي تذكر أن عائلات السود وأولئك الذين ينتمون إلى أقليات أخرى لديهم مخاوف إضافية بشأن العنصرية في نظام المدارس العامة (مجلة إيكونيميست).
كذلك هناك من يخشى المضايقات والتنمر الذي قد يتعرض له أبناؤهم، كما تشير بعض الدراسات؛ فقد أظهرت دراسة أجريت في عام 2018 على ست مناطق تعليمية في ولاية كونيتيكت أن أكثر من ثلث العائلات التي سحبت أطفالها من المدرسة في السنوات الثلاث الماضية كانت موضوع تقرير واحد على الأقل سابقًا للاشتباه في إهمال الطفل أو إساءة معاملته؛ كذلك بالنسبة لذوي المتطلبات الخاصة يقول آباؤهم إنهم سحبوا أطفالهم كملاذ أخير لأن مدارسهم المحلية لا يمكنها استيعاب الإعاقات أو المشاكل العاطفية.
وإذا كانت هذه الأسباب غير رائجة أو حتى غير مقنعة لسحب الطلبة من مدارسهم، فعلى نقيضها تبدو أسباب رفض التعليم المنزلي واضحة، ففضلاً عن انخفاض جودته وضعف صقله للمهارات مقارنة بالتعليم المدرسي، يوجد تخوف في كثير من الدول بسوء استغلال التعليم المنزلي. فمثلاً في بريطانيا يشعر المنظمون بالقلق من أن الآباء يستخدمون التعليم المنزلي كغطاء لإرسال أطفالهم إلى مدارس غير مرخصة ذات مناهج دينية متطرفة؛ إذ شُكّلت دائرة للتفتيش على المدارس «فرقة عمل خاصة بالمدارس غير المسجلة» في عام 2016.. ومنذ ذلك الحين فتحت تحقيقات في 740 مدرسة وخلصت إلى أن حوالي 100 مدرسة منها خالفت القانون بطريقة ما.. وفي ديسمبر، قال رئيسها إن انتشار هذه الأماكن «غير الآمنة وغير الملائمة» كان أحد أكبر مخاوفها.
إلا أن من أهم المخاوف تتعلق بسلامة الأطفال والخشية من الإساءة لهم في منازلهم دون علم الجهات الرسمية رغم وجود رقابة على التعليم المنزلي، خاصة بعدما سجل حالة وفاة مأساوية في بريطانيا نتيجة سوء التغذية. لذا، فالاتصال المتكرر مع المعلمين يوفر المزيد من الفرص لاكتشاف الإساءة أو سوء التغذية. وتقوم العديد من الدول بتنظيم التعليم المنزلي بشكل صارم، فهو محظور في ألمانيا، ومشدد في فرنسا إذ يتفقد المفتشون المعلمين المنزليين، بينما القواعد في بريطانيا مخففة إلى حد ما، أما التعليم المنزلي فهو قانوني في جميع الولايات الأمريكية. وفي السعودية يسمح بالتعليم المنزلي (الافتراضي) وفق شروط معينة: معلمين ذوي خبرة في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، حجرات بث مرئي متكاملة، إنترنت سريع، جهاز حاسوب وملحقاته لكل تلميذ..
الشاهد أن التعليم عن بعد بسبب جائحة كورونا أثار الجدل حول التعليم المنزلي، وقد يثير مناقشات جديدة أخرى رغم أن نسبة من يفضلون التعليم المنزلي تظل ضئيلة، ولا تزال الأغلبية تفضل التعليم في المدرسة كما يؤكد إريك ويرن أستاذ اقتصاديات التعليم بجامعة ولاية كينيساو..