عبد الرحمن بن محمد السدحان
* كانت تربطني بمواطنيْن أمريكيّيْن قبل سنين مضت علاقة طيبة، بدأت في مدينة واشنطن العاصمة، وكان همزة الوصل معهما إعجابهما بمملكتنا الغالية، تاريخًا وإنجازًا حضاريًا وحضورًا على الصعيد الدولي. هما أندرو كلجور وريتشارد كرنيس.
* * *
* كل منهما قد بلغ مرحلة متقدمة من العُمر، لكن ذلك لم يؤثّر في حركتهما وحيويتهما، ومتابعتهما لشؤون الشرق الأوسط، والمملكة العربية السعودية خاصة.
* * *
* ثم انقطعت صلتي بهما منذ بضع سنين، أخشى أن سطوة العمر قد حاصرتهما فلم يعودا قادرين على ممارسة مهامهما.
* * *
* ورغم ذلك، فإن ذكْرَهما وذكراهما ما بارحا خاطري قط، كانا يعملان بدءًا في السلك الدبلوماسي الأمريكي، ثم غادرا الدبلوماسية إلى مجال مثير لهما وأثير عليهما، هو العلاقات الدولية حيث أسّسا مجلةً دوريةً تصدر من واشنطن تحت عنوان (تقرير واشنطن)، وكانا مهتمين من خلالها بطرح وتحليل وجهة النظر العربية، خبرًا وتحليلاً وتعليقًا، ومن خلال ذلك عرفتهما النخبة العربية، واشتهرا بمواقفهما المؤيدة للشأن العربي.
* * *
* كل منهما كان مهتمًا بالشأن العربي، فَقَرأَ وشاهد وسمع مواقف لا تضمر معظمها خيرًا للعرب، وساءهما أن تكون لبلادهما مواقف سلبية في منظومة الإعلام السياسي الأمريكي، ونشأت نتيجة لذلك سلسلة من الأزمات، تتوارى حينًا وتنشط حينًا آخر، متأثرةً بنفوذ بعض الدوائر الصهيونية، داخل واشنطن وخارجها!
* * *
* كلا الرجلين كانا ينتميان إلى جناح الاعتدال السياسي، وكلاهما كانا (غاضبيْن) من هيمنة (قبائل) صهيون غضبًا يؤطّره الحب لبلادهما والغيرة عليها. وكلاهما كانا يؤمنان أن ليس كل ما يرضي إسرائيل يتفق مع سياق المصالح الأمريكية، وكانا يخشيان نتيجة لذلك أن تفقد بلادهما مصداقيتها وهيبتها في ميزان القوى الدولية.
* * *
وبعد..
فإن البيت الأمريكي الكبير لم تزل فيه بوادر من خير لصالح منطقتنا من العالم، إنسانًا وقضايا، حتى ولو لم يبقَ في ذلك البيت سوى أندرو كلجور وريتشارد كرنيس، وكريمته هيلدا التي تسير على خطى والدها، قربًا من البيت العربي وقضاياه!
ولم تكن تقلّ حماسًا ونصرةً للإنسان العربي وقضاياه عن والدها. وقد اكتسبت هذا التوجّه بحكم التصاقها بوالدها في جولاته في بعض الأمصار العربية، ومملكتنا الغالية خاصة.