د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تساءلنا كثيراً هل يحتاج التعليم إلى نسخة جديدة!؟ حيث توجد كثيرٌ من المعطيات المشاهدة والملحّة لذلك التساؤل! ومكثنا غير بعيد فأعلنها معالي وزير التعليم في المؤتمر الصحفي المنعقد في الرابع عشر من شهر شوال الجاري حين قال معاليه «على مدى عامين وبناء على دراسات متأنية قامت بها فرق متخصصة تم التوصل إلى نتيجة رئيسة أن التعليم الحالي يحتاج إلى تطوير حقيقي وعميق...» وأردف معاليه أن نتائج طلابنا في الاختبارات الدولية الآن أقل من المنخفض، وأن الفجوة الزمنية بين سنوات السلم التعليمي وسنوات الدراسة الفعليه تصل إلى 4 سنوات...» بمعنى أن الأدوات الحالية ومنهجية التشغيل المدرسي لا يمكن الاتكاء عليها لإحداث النهوض والتغيير المراد لقيادة الاقتصاد والتنمية الوطنية والمجتمعية! كما تحدّث معاليه عن جملة من المقارنات المعيارية مع عدد من الدول ذات الريادة التعليمية فأكدت نتائج تلك المقارنات إلزامية التغيير وإحداث ثورة تعليمية جديدة، ويحمد لمعاليه تلك المكاشفة فقد اتكأ على التشخيص الذي لم يكن خافيا على ذي لب دون دراسات!
كما تضمن المؤتمر الصحفي الذي عقده معاليه الإعلان عن التقويم الدراسي للعام المقبل 1443 الذي سوف يحمل زمنيا التطوير المعلن عنه من خلال خطة استباقية في ثلاثة فصول دراسية ومن خلال نسق تنظيمي تطويري مرتبط بالخطط الدراسية الجديدة للمواد التدريسية؛ وأشرقت خلال ذاك أنباء ترقيات جديدة للمحتوى التعليمي في المقررات التدريسية وزيادة الوزن المعياري لعدد الحصص في بعض المواد؛ فحضر خطاب الرياضيات وتربع خطاب العلوم وتهادى خطاب اللغة الإنجليزية في الصف الأول الابتدائي ومهارات الحياة الأسرية؛ وتصدرتْ العقول اهتمام الوزارة، فانضمتْ مواد جديدة حافزة للخطةالدراسية؛ وحتما سيكون لها واقع ووقع على عمليات التعليم والتعلم فهناك مقرر التفكير الناقد وهذا المقرر في العدوة العليا من ممكنات النهوض فالأجيال ناقلة للمعرفة ولكنها لا تصنعها وصناعة المعرفة مستهدف رئيس!
ومن خلال جملة ما اطلعنا عليه من رزم التطوير الجديدة فإنها حتماً تتجه إلى تصحيح حياة المدارس حيث تحتوي حياة المدارس حاليا على كل شيء عدا ممكنات النهوض بواقع الحياة، فمن مفاتيح التطبيق الصحيح لمفردات الثورة التعليمية الجديدة التركيز على القيادات التنفيذية وتحدي قناعاتهم الثابتة حول جملة من القضايا العالقة منذ الأزل، فلقد كانت طاولات التعليم ملأى بأضابير مشاكل النقل المدرسي والمباني المستأجرة والصيانة وطباعة المقررات، وضبط الانضباط في مسيرة المدارس الأهلية!؟ وما سوى ذلك مما قلّ منه أو كثر، وهي حتما شحنات تستنزف الجهد وما تلبث أن تتلاشى ويبقى المحتوى المعرفي لم يحظ بود!
وكفاءة التشغيل حتما لا تعني أولياء الأمور وما يعنيهم هو مخرجات التشغيل في معارف الطلاب وسلوكهم ولعل وزارة التعليم تراجع دورها التشغيلي الخدمي في ضوء وجود مؤسسات تتقاسم معها المهام!
والثورة التعليمية الجديدة التي أعلن عنها معالي وزير التعليم إنما هي تطوير للفكر الإنساني عند الطلاب حيث هو المحرك للثروة البشرية، والتعليم قوة لا حدود لها وتلك القوة تكمن في غزارة المعرفة ومن ثمّ إدارة أحوال مؤسساتها بقوة من خلال تشريعات عليا لا تكون نداً للمعرفة فتصرف الاهتمام عنها؛ وعند ذاك يكون الثناء على الطلاب للعمل الجاد والتركيز على الاستراتيجيات المتبعة للقيام بعمل يسفر عن عقلية نامية قابلة لمواجهة التحديات وأن يمس التغيير وعي الطلاب وحسهم وفكرهم تجاه الحياة. وأن تكون عمليات بناء المهارات ليست تجميعية، بل تصنع للطلاب مزيجاً من التلاؤم مع كونهم مواطنين مسؤولين في مجتمعاتهم وأوطانهم ودوائرهم الأسرية لينقلهم التعليم إلى مفاهيم جداً دقيقة وعميقة تسندهم في التعامل مع أعماق الأشكال التي تستولد منها أغراض حياتهم وطموحاتهم؛ ولتحقيق ذلك لا بد من فهم الصورة الكلية الكبيرة ومعرفة ما يحقق النسخ الجديدة للتطوير الشامل؛ ودون ذلك الفهم النظري يكون مستحيلاً إجراء أي توقعات موثوقة، ووضع خطط تتمتع بفرص كبيرة للاستمرار فلم يعد اكتساب المعرفة أولوية بقدر اختراع تلك المعرفة!..
والمحتوى التعليمي يعد شبكة عمل تتكون من عدة مسارات ذات اختيارات متعددة وهو الأس والأساس؛ والالتفات للمدرسة كمحضن للعقول يجب التركيز فيه على الطلاب فيها وأن نمنحهم مفاتيح الأبواب المغلقة؛ وبما أن التعريف العميق للتعليم (أنه التفاعل المعرفي بين ملقي وهو المعلم ومتلقي وهو الطالب) فأرى أن ينصب التركيز «التطويري على هذين القطبين الأساسيين وما بينهما من محتوى معرفي غزير فالمدارس تستنبتُ العلماء والمفكرين» وأجزم أن استراتيجيات التنفيذ حظيت باهتمام الوزارة يتصدرها إعداد الناقل التربوي المتميز «المعلم» وهذا القطب يلزمه مراجعة خطط الإعداد المعرفي والتطبيقي في الكليات التربوية، فالتدريب أثناء الخدمة يصقل المعرفة ولكنه حتماً لا يوجدها! كما أن واقع تدريب المعلمين أثناء الخدمه لم يسفر عن نتاج ولا نتائج مشجعة إلا لُماماً..
ومن مراقي تنفيذ استراتيجية الثورة التعليمية الجديدة رعاية التقويم والاختبارات التحصيليةالتقييمية منذ ولادتها والتقويم التحصيلي شأن مهم جدا تعددتْ مرجعياته فتوارى من سوء ما أحاطه!؟ والتقويم الصحيح يولد الإقناع الوطني بأننا نحقق تقدماً! ولذلك نتمنى أن يكون الاعتماد المدرسي المبني على التقويم الصحيح قاعدة تأسيسية لتعزيز الثقة في العملية التعليمية والعاملين عليها، وترقية مخرجات الطلاب، ولعل الوزارة تتوقف كثيراً لتعالج خلل التقويم بشكل كلي وكامل وألا تدخل التعديلات المجزأة فقط باسم التطوير ولتعدد مرجعيات القرار في شأن التقويم التعليمي وحتى يرتفع مستوى التنسيق والمشاركة هل نرى «مركز التعليم» كجهة تنظيمية ليعلم كل أناس مشربهم من خلاله، وختاماً فإن الثورة التعليمية الجديدة منهج لافت حديث في الترقي سوف يكون حصادها نضرا بإذن الله إذا ما أُحسن إليها!