الهادي التليلي
ثقة المواطن العربي بالإعلام المرئي تزايد تقدمها إلى الوراء بتزايد تأخر معظم شاشات الإعلام المرئي العربي المختص في الشأن الإخباري، وها هي الحرب على القدس تؤكد بأن عالم الإعلام يتغير ومن لم يغير في آلياته وصدقية توجهاته ويبتعد أكثر فأكثر عن رسالته الإعلامية لا ينتظره التاريخ الذي شأنه شأن الطبيعة يأبى الفراغ.
أطفال وشباب وأشخاص لم يتكونوا في معاهد الصحافة وعلوم الأخبار إحساسهم بالحاجة لإعلام أكثر صدقية وقرباً منهم جعلهم يقلبون المثلث التواصلي بجعل المتقبل منتجاً للمادة الإعلامية، أطفال غزة وشبابها الذين نقلوا للعالم مقاطع فيديو حينية لجرائم ومجازر الاحتلال لم تكن لديهم كاميرات بدرجة خرافية من الدقة أو إمكانيات جد عالية تتجاوز بكثير قيمتها حفنة الإبداع التي تقدم في هذه الفضائيات، هؤلاء الأطفال والشباب قدموا أكثر مما قدمته هذه الفضائيات بصدق وعفوية، فكت الحصار الذي كان مفروضًا على القطاع الذي أرادت له إسرائيل أن يكون خارج التغطية وكانت تتوهم بأنها بهدمها لأحد الأبراج الذي يعتبر أكبر مقر لوسائل الإعلام والقنوات التلفزية سيكون لها ما أرادت على غرار بعض الحروب الماضية التي كانت لحرب المعلومة فيها نصيب الأسد في انتصارات هوليودية مذلة للعرب وقاصمة لظهر أعتى قوة عسكرية فيه ونعني مصر زمن عبد الناصر.
رغم محاولات قطع النت عن القطاع ورغم ما يعانونه من آلام فقدان أحبتهم وتهدم مساكنهم إلا أن فرسان السوشل ميديا جعلوا الآلة الإعلامية في ورطة، ورطة فضحتهم أمام كل شعوب العالم، شعوب العالم كانت أكثر لهفة على تقصي وسائل التواصل الاجتماعي من القنوات الإخبارية الغربية والعربية التي كانت تستمع بأذن واحدة حتى وإن جاملت المشاهد ببعض عمليات التجميل اللغوي لضحايا العدوان.
الإعلام المرئي العربي بقي ساكنًا في لحظة ما قبل الحداثة التواصلية ساكناً في غرور البذخ في التجهيزات التي لا تصنع إعلاماً مهما تطورت، فالإعلام تصنعه رسالته التي تبني عقد ثقة مع المشاهد ومصداقيته التي هي أساس العملية التواصلية.
الناشطون من غزة والعالم العربي شكلوا نسقًا منتظمًا وإن كان عفوياً في بدايته ولكنه عد قوة في سرعة تنقل المعلومة وتصديرها، هؤلاء الشباب افتكوا تعاطف نظرائهم في كل أرجاء المعمورة الذين بدورهم لم يعودوا يثقون بفضائياتهم وما تقدمه من معلومة مؤدلجة وغير يقينية، ومن هذا الحراك تحركت مسيرات في بريطانيا وأمريكا وكل أنحاء المعمورة، مسيرات جعلت إعلام السي أن أن والبيبي سي وغيرها في التسلل.
الجيل الجديد من فرسان السوشل ميديا ليس كما صورته لنا بعض القنوات وليس فجاً في كليته ولكن في مرحلة استوجبت الوقوف لقضية إنسانية عانت عقودًا من القهر على الواقع والظلم الإعلامي كان لهذا الجيل رأي ورأي مسموع كان من الأسباب الرئيسية في وقف العدوان على غزة وإبراز الواقع كما هو لا كما أريد له بعض القنوات العربية، وأخص الإخبارية كانت فعلاً خارج الموضوع ومخيبة للظن كعادتها وأكثر في حين نجح هذا الجيل في ما عجزت عن تغطيته الآلة الإعلامية المردوخية، لقد أربكت إسرائيل بل وذبذبت مواقف داعمتها البيت الأبيض، لقد عرى الإعلام غير الرسمي ما غطته العقود من الدفن المتعمد للحقائق.
وإذا كان الإعلام المكتوب أكد للعالم زمن كورونا جدارته فإن ما بعد حرب القدس الأخيرة كان جنرالاتها الإعلاميون مقاتلي شوارع ولكن في السوشل ميديا وبذلك حقق الهامش ما عجز عنه المركز.