إعداد - خالد حامد:
قد لا يكون من المستغرب أن من بين الموضوعات التي تمت مناقشتها بين الرئيس مون جاي إن والرئيس جو بايدن في الاجتماع الذي جرى في واشنطن العاصمة، في 21 مايو الماضي، كانت كوريا الشمالية وتغير المناخ والتعاون بشأن لقاح كوفيد - 19. لكن الجدير بالذكر أن أشباه الموصلات كانت أيضًا على رأس جدول الأعمال.
هذه الحقيقة هي اعتراف بأن كوريا أصبحت قوة عظمى في مجال أشباه الموصلات، وقد تم تسليط الضوء على أهميتها كمورد من خلال النقص العالمي الحالي في الرقائق.
كان الرئيس الكوري الجنوبي مون محقًا في وصفه مؤخرًا قطاع أشباه الموصلات بأنه صناعة استراتيجية وطنية أساسية يمكن أن تحدد مستقبل الاقتصاد. ريادة كوريا في صناعة أشباه الموصلات تمنحها قوة غير مسبوقة في قيادة سلاسل التوريد العالمية. مثلما هيمنت البلدان التي أنتجت النفط - الذهب الأسود - على القرن العشرين، كذلك هيمنت البلدان المنتجة للرقائق - الذهب الرقمي - على القرن الحادي والعشرين.
لهذا السبب تركز الولايات المتحدة الآن على أشباه الموصلات كقضية ثنائية رئيسة مع كوريا، وعندما يدفع بايدن لاستثمارات قوية في تصنيع الرقائق في الداخل الأمريكي، فهذا ينبع من شعور واشنطن بالقلق من أن الولايات المتحدة تراجعت عن تصنيع الرقائق، حيث أصبح الإنتاج أكثر تركيزًا في كوريا الجنوبية وتايوان، وكلاهما يواجه تهديدات جيوستراتيجية متزايدة من الصين.
المنتجون العالميون الثلاثة الرائدون للرقائق في العالم هم سامسونج للإلكترونات Samsung Electronics في كوريا وTSMC في تايوان وإنتل Intel في الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، تنفق الصين، التي تتأخر في هذا المجال بحوالي خمس إلى عشر سنوات، بشكل كبير في سباق للحاق بالركب حيث تفرض الولايات المتحدة حظراً على عمليات نقل هذه التكنولوجيا.
أصبحت هذه القضية أكثر إلحاحا بسبب التباطؤ في إنتاج الرقائق منذ بداية عام 2021، مما أدى إلى إغلاق مصانع السيارات مؤقتًا من المملكة المتحدة إلى كوريا.
أبرز هذا التباطؤ كيف أصبح العالم المتصل بالإنترنت يعتمد بشكل متزايد على الرقائق. سيزداد الطلب على أشباه الموصلات فقط، لأن أشباه الموصلات تشغل كل شيء من الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية إلى الآلات الصناعية والذكاء الاصطناعي.
يبشر هذا الوضع بالخير بالنسبة لشركة سامسونج ومنافستها المحلية الأصغر SK hynix، من ناحية، لأن تركيز الصناعة يمنحهما قوة تسعير متزايدة. وتعني الأرباح المرتفعة لهما أن لديهما رأس المال للاستثمار في مصانع الرقائق الأكثر تكلفة، مما يعزز هيمنتهما. تخطط سامسونج لإنفاق أكثر من 100 مليار دولار على أعمال الرقائق الخاصة بها خلال العقد المقبل.
لكن هيمنتها على الصناعة تؤكد أيضًا على أهميتها السياسية في تصاعد الحرب التكنولوجية الصينية الأمريكية الباردة، عندما يكون ما يقدر بنحو 80 في المائة من قدرة صناعة الرقائق العالمية موجودة في قارة آسيا.
دعا الرئيس بايدن إلى تعزيز سلسلة التوريد الأمريكية لأشباه الموصلات، وتم تخصيص الأموال في خطته العملاقة للبنية التحتية لبناء المزيد من مصانع الرقائق في الولايات المتحدة.
نتيجة لذلك، يتزايد الضغط على شركة سامسونج العملاقة لإضافة مصنع رقائق أمريكي واحد آخر على الأقل إلى مصنع تعمل فيه بالفعل في أوستن بولاية تكساس مقابل الحصول على إعانات أمريكية.
كما تم الكشف مؤخرًا عن أن سامسونج تدرس بناء مصنع شرائح جديد بقيمة 17 مليار دولار إما في تكساس أو أريزونا أو نيويورك بحلول نهاية عام 2023.
لا تعكس هذه الخطوة ضغوطًا مباشرة من واشنطن، بل تعكس مطالب بعض أكبر عملاء سامسونج الأمريكيين، بما في ذلك IBM و Qualcomm و Tesla الذين يرغبون في موقع آمن في الولايات المتحدة، ويريدون الوصول إلى منشأة أكثر تقدمًا بدلاً من مصنع سامسونج القديم في أوستن.
تحتاج سامسونج أيضًا إلى مصنع جديد رائد في الولايات المتحدة للتنافس بشكل أفضل ضد أكبر وأشرس منافس لها وهي شركة TSMC التايوانية التي ستبني منشأة في أريزونا بحلول عام 2024 لتحسين أوقات التسليم للعملاء. تشير الخطط الأولية إلى أن مصنع سامسونج سيكون أكبر من منشأة TSMC في أريزونا.
قد يكون تنويع مصانع رقائق سامسونج خارج كوريا منطقيًا تجاريًا، لكنه يشكل تهديدًا محتملاً للاقتصاد الكوري. تم الاستشهاد بصناعة أشباه الموصلات كسبب رئيسي لبقاء الاقتصاد الكوري قويا خلال جائحة كوفيد - 19 خلال العام الماضي. إن نقل مصنع كبير واحد على الأقل في الخارج سيعني أعمال أقل للقطاعات التابعة في الداخل.
كما أن اعتماد كوريا الاقتصادي على أشباه الموصلات يعرضها أيضًا لمعضلة جيواستراتيجية، حيث تسعى سيول للتغلب على التوترات الصينية الأمريكية المتصاعدة، نظرًا لأن الصين هي أيضًا عميل كبير للرقائق الكورية. مع تشجيع واشنطن لشركة سامسونج على الاستثمار في الولايات المتحدة، هل ستمارس بكين ضغوطًا مماثلة على سامسونج لبناء المزيد من المصانع في الصين؟!
مصنع سامسونج الوحيد لأشباه الموصلات في الصين، والذي تم توسيعه مؤخرًا، يصنع فقط رقائق الذاكرة، على عكس الرقائق المتطورة التي تنتجها في كوريا وتخطط لإنتاجها في الولايات المتحدة.
يمكن أن يزداد الضغط من كل من الولايات المتحدة والصين. قد تشدد واشنطن ضوابط التصدير التي من شأنها أن تمنع أي شركة أجنبية لتصنيع الرقائق، بما في ذلك سامسونج، من استخدام المعدات الأمريكية لإنتاج رقائق للعملاء الصينيين، كما هو الحال بالفعل بالنسبة لشركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني.
وفي الوقت نفسه، قد تهدد بكين بعدم التوسط في القضية النووية لكوريا الشمالية إذا رفضت كوريا الجنوبية التعاون معها في قضية الرقائق.
- عن (كوريا تايمز) الكورية
** **
- جون بيرتون هو مراسل سابق في كوريا لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية ويعمل حاليا صحفياً ومستشاراً في واشنطن