اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
من يعرف أخي صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد القوي بالله الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، من يعرف سموه الكريم جيداً، يدرك للوهلة الأولى أن قلبه كان معلقاً ببلاده وشعبه ورسالة أسرته السامية العظيمة منذ أن أبصرت عيناه النور؛ فثمَّة أفلام مصورة عديدة له وهو في مراحل التعليم المختلفة من التعليم العام إلى التعليم العالي، تؤكد أنه كان يفيض طموحاً لخدمة وطنه وتحقيق ذاته، من عملٍ جادٍ وعطاءٍ حقيقي، تكون فيه إضافة حقيقية لما رسَّخه أجداده وآباؤه الكرام الذين أسسوا هذا الصرح الشامخ الراسخ الثابت، وحكَّموا فيه كتاب الله عزَّ وجلَّ وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقد تقلَّد سموه الكريم مناصب عديدة في الدولة منذ شبابه الباكر، فضلاً عمَّا شهد له الجميع به، من مبادرات سخية متميزة كثيرة، ونشاطات خيرية، أبرزها (مسك الخيرية)، التي أسسها وشرَّفها بترؤس مجلس إدارتها، بهدف دعم تطوير المشروعات الناشئة، وتشجيع العمل والإنجاز والإبداع في المجتمع. وفي كل مرة كان يترك بصمته دامغة ظاهرة للعيان، تؤكد للجميع أنه ثمَّة رجل أُمَّة، شغوف بالعمل، مترع بالأمل، تفيض نفسه الكريمة بطموح لا يعرف سقفاً، طالما فكَّر خارج الصندوق، فحقَّق إنجازات فريدة متميزة من خلال إضافات حقيقية.
ولهذا عندما تم اختيار سموه الكريم وليَّاً للعهد، نائباً لرئيس مجلس الوزراء، لم يكن ذلك استناداً إلى أنه ابن خادم الحرمين الشريفين، والد الجميع، سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، ومتعه بالصحة والعافية، وسدَّد على طريق الخير خطاه، وإن كان في هذا شرف لسموه الكريم ما بعده شرف. ليس هذا فحسب، بل إن من يعرف سيرة مليكنا المفدى سلمان الخير والعزم والحزم الإداري الفذ جيداً، يدرك للوهلة الأولى أن مثله لا يختار هذا الموظف أو ذاك لهذه المهمة أو تلك، إلا إذا كان يتمتع بأقصى قدر ممكن من الكفاءة المطلوبة لأداء الواجب.
أجل، كان اختيار سموه الكريم لولاية العهد، لأنه تمتع بالكفاءة الضرورية المطلوبة، التي تؤهله لشغل المنصب حتى يفيض، وتحمل هذه المسؤولية العظيمة التي تنوء بحملها العصبة من أولي القوة في بلادنا التي تشرئب أعناق العالم كله إليها صباح مساء. ولهذا جاء سموه الكريم جاهزاً لرأي سديد، وعطاء رشيد، وعمل دؤوب لا ينقطع. ولا بد أنكم قد رأيتموه مراراً يصل الليل بالنهار، وهو منكبٌ على العمل، تماماً على درب الوالد المكرم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذي نشهد له كلنا، بل يشهد له الغريب والأعداء قبلنا، أنه لم يترك معاملة على مكتبه ليوم غدٍ، طيلة أكثر من نصف قرن، كان خلاله أميراً على منطقة الرياض التي كانت في الحقيقة، وما تزال، تمثل الدولة كلها تقريباً؛ وما زال مستمراً على النهج نفسه، ملتزماً بالمبدأ ذاته، حتى ومقامه السامي الكريم على قمَّة هرم السلطة في البلاد، مع تعدد المسؤوليات وتشعبها واختلافها وارتباطها الوثيق بما يدور في العالم كله، لاسيَّما فيما يتعلق بالسياسة والاقتصاد، بعد أن أضحت بلادنا في هذا العهد الزاهر عنصراً مهماً في توجيه سياسة العالم، ومحركاً أساسياً لعجلة اقتصاده، كتفاً بكتف مع الذين يدّعون العظمة.
أقول، جاء الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد وهو متسلح بالمعرفة اللازمة، والطموح الذي لا تحده حدود، والفكر المتقدم، والقدرة على العمل، والذكاء اللَّماح، والحلم، والنفس الطويل والصبر الجميل، يسند هذا كله حزم أكيد وعزم لا يلين، وحسم لا يعرف التردُّد والخذلان.. وبالطبع قبل هذا وذاك، تفيض نفسه الكريمة بالثقة بالله المنعم الوهاب، ثم بقدرة شعبه على البذل والعطاء، واستعداده للتضحية من أجل أن تمضي قافلة خيرنا القاصدة قدماً في تحقيق مهمة الخلافة في الأرض. وقد أبدع أخي الشاعر الكبير الأمير عبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود، شبيه الريح، شاعر الدهشة، في وصف عزم ولي عهدنا وحزمه وحسمه وحلمه، في قصيدته الجزلة في ولي العهد بعنوان: (اصعد)، إذ يقول:
لو عمَّ عزمك في الأصقاع لاندثرت
أعتى المصائب واستعصى بها الزَّلل
* * *
تمضي بحلمك بالإصرار تجعله
رأي العيان، لك الأحلام تمتثل
وعليه، لا أحد يستغرب اليوم من سموه الكريم هذا العطاء الدافق خلال أربعة أعوام فقط. وصحيح، كان عطاؤه ثرَّاً في مرافق الدولة كلها، وبصمته فيها أوضح من الشمس في رابعة النهار: خدمة الحرمين الشريفين، السياسة، الاقتصاد، المال والأعمال، التجار والاستثمار، السياحة، الرياضة، الثقافة، الإعلام، التعليم... إلخ.
والحقيقة يتطلب الأمر أكثر من مقال وليس في مقال مقتضب كهذا لإعطاء نبذة موجزة عن عطاء سموه الكريم هنا أو هناك، وقد سبق أن كتب كثيرون عن هذا الجهد الهائل المدهش الاستثنائي لسموه، بل وثَّقه سموه الكريم في لقائه الأخير الشهير مع الأخ عبدالله المديفر على التلفزيون السعودي وغيره من قنوات عربية، بمناسبة مرور خمسة أعوام على تدشين رؤيتنا الطموحة الذكية (2030)، التي كان ولي عهدنا عرَّابها، ويقول عنها إنها كانت ضرورة لازمة لحاضر الوطن ومستقبله، هدفها الأساسي زيادة دخل المواطن السعودي، لاسيَّما الفئات الضعيفة من أصحاب الدخل المحدود؛ وجردة الحساب التي قدمها بأرقام أدهشت الدهشة، وهذا الكم الهائل من العمل والإنجاز والإبداع الذي تحقق بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بعزيمة الرجال، وتوجيه حادي ركبنا، قائد مسيرتنا الظافرة خادم الحرمين الشريفين سيدي الوالد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ومتابعة سمو ولي عهدنا القوي بالله الأمين ساعة بساعة ولحظة بلحظة لكل صغيرة وكبيرة، بل لتفاصيل التفاصيل كما يقولون. وقد صوَّر هذا أخي الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد في قصيدته التي أشرت إليها آنفاً، أبلغ تصوير، إذ يقول:
أحنت لرؤيتك الأكوان هامتها
واستعجب الغد ما ذا يصنع الرجل
كما تجد أيها القارئ الكريم أيضاً، تصويراً غاية في البلاغة في قصيدة أخي شبيه الريح تلك لأحاديث ولي عهدنا المثقف المفوَّه الواثق بالله، إذ يقول:
ترنو إليك جموع الناس مصغية
والخصم ينصت والأقوام والدول
يهدي حديثك كل الشعب طمأنة
أما العدو، فقد أودى به الوجل
أجل، يتطلب الأمر أكثر من مقال عن تلك النجاحات الباهرة التي تحققت على أرض الواقع، غير أن ما تحقق من جهد استثنائي هائل مدهش من أجل محاربة جائحة كورونا التي فاجأت العالم على حين غِرَّة، وحيرت حتى ما يعرف بالدول العظمى، كان شيئاً يفوق الخيال بحق، ويجل عن الوصف، إذ صفَّق له حتى الأعداء الألداء، وأشاد به طبيب العالم (منظمة الصحة العالمية)، فناشدت الجميع الاستفادة من فلسفة السعودية ونهجها وحزمها وعزمها لمحاصرة الوباء، لاسيَّما فيما يتعلق بموضوع طب الحشود الذي أصبح علامة تجارية سعودية بامتياز، وتمكنت بلاد الرسالة قبلة المسلمين عن طريقه من تنظيم أنجح حج في العصر الحديث تقريباً، فيما كانت الجائحة تحصد أرواح مئات الآلاف في مختلف دول العالم غنيها وفقيرها على حد سواء، تساقطت تباعاً، تماماً كما تفعل أوراق الأشجار في الخريف.
ومع كل هذا الكم الهائل المدهش المذهل من الإنجاز الذي هو أقرب إلى الخيال من الحقيقة، خاصة عندما نقارن ما تحقق خلال هذه الأعوام الأربعة التي تقلَّد فيها أخي الأمير محمد بن سلمان منصب ولاية العهد، بالتحديات التي كانت ماثلة على الساحة المحلية، الإقليمية والدولية، أقول، مع هذا، لم يدَّعِ أخي ولي العهد فضلاً لنفسه الكريمة، مع أنه أحق الناس بهذا؛ بل على النقيض تماماً: ينتهز كل سانحة مواتية لكي يؤكد للعالم أجمع أن المواطن السعودي هو أول مقومات الدولة، وأنه أعظم مورد تملكه الدولة، وأن شعبه عظيم، ما أن يحدد هدفاً حتى يحققه بكل سهولة، مؤكداً أنه لا توجد أي تحديات حقيقة أمام شعب عظيم هذا هو شأنه.
وبالمقابل، يرد سموه الكريم على الأبواق المأجورة التي يشتد سعارها بقدر ما يضع مؤجروها في كفها من دراهم، التي تتهمه بالعمالة والمخاطرة بمصالح البلاد، بضاعتها المزجاة عليها، إذ يؤكد دوماً على رؤوس الأشهاد أن مصالح المملكة هي فلسفته في السياسة الخارجية. وأن دستورنا هو القرآن.. كان، والآن، وسوف يبقى إلى الأبد إن شاء الله.
وصحيح، كم كنت أتمنى أن أثبت في ختام مقالي هذا قصيدة شبيه الريح (اصعد) في وصف ولي العهد، غير أن المجال لا يتسع، ولهذا أكتفي منها بهذا القدر:
أنت المفكر قد نادتك نهضتنا
أنت المجدد والمأمول والأمل
* * *
كم شاع قبلك أقوال بلا عمل
حتى أتيت فكان القول والعمل
* * *
أنت المسدد رأياً والجسور
فما ترضى القعود، بهم الناس منشغل
أنت العطوف إذا ما ضاق منكسر
أنت الدواء إذا ما شاعت العلل
والحقيقة، لا يسعني في الختام، إلا أن أتوجه إلى الشعب السعودي بالتهنئة القلبية الصادقة، لا أقول بتجديد البيعة لولي عهدنا القوي بالله الأمين، لأن بيعته لازمة في أعناقنا إلى الأبد، على الوفاء بالثبات على المبدأ في اليسر والعسر وفي المنشط والمكره، بل أهنئه بحلول هذه الذكرى العطرة لبيعة سموه الكريم، مبتهلاً إلى الله العلي القدير أن يبارك لنا في عمره وفي رزقه وفي عطائه وفي صحته وعافيته وذريته.
وكل عام قيادتنا الرشيدة بخير، وبلادنا في أمن وأمان واستقرار، وحكومتنا بخير وشعبنا في رخاء وسلام.